التاريخ يخلد عظماءه من الأدباء والفنانين
التجربة البشرية ليس لها حدود، ولن يتمكن الفنان أو الأديب من مواصلة إبداعه إذا لم يتمثل الواقع حتى يصبح جزءاً من حياته، ومن تجربته الذاتية، فالتجارب الأدبية والفنية التي تأتي بالمصادفة لا تتكرر كثيراً، ولكن عندما تصبح المصادفة هي القاعدة وليست الاستثناء فإن معايشة الإنسان والتعرف عليه من الداخل سوف تشكل مهمة أساسية من مهام الفن والأدب والإبداع، ولهذا فإن التجربة الفنية والأدبية إذا ما انعزلت عن الإنسان، وعن الواقع، إذا ما فقدت قدرتها على الغوص في أعماق التناقضات، قد تموت وتفقد قيمتها الإنسانية، وهكذا نجد أن الفن والأدب لا يسيران في ذيل الأحداث، ولا يترجمان الثورات على أعمال فنية وأدبية ترجمة حرفية، ولكن الفن قائد كما هو الأدب يسيران في المقدمة، فالفن خلق وإبداع كما هو الأدب.
وعلى ضوء هذه الحقائق فإن التاريخ لم يخلد سوى عظمائه من الأدباء والفنانين، لأن الفن والأدب الحقيقي هو الأنفع للشعوب، فهو المعبر والناتج الحقيقي الأيديولوجي والاجتماعي لكل الشعوب، فعلى مر العصور لم يخلد التاريخ سوى عظمائه من الأدباء والفنانين، أما السياسيون فلم يعد لهم أثر سوى ذكريات حكمهم، أما الإبداعات الحقيقية فلا يتركها إلا الأدباء والفنانون، أفكار ومشاعر تلامس الجوانب الإنسانية ومشاعر حرية الإنسان، تجارب لامست الواقع الاجتماعي وتناقضاته واستقراءاته الشخصية وتنبؤاته للمستقبل. ففي الفن التشكيلي لاتزال أعمال مايكل أنجلو وبيكاسو خالدة حتى الآن لأنهما رمزاً من رموز هذا الفن الأصيل. وفي الأدب بقي شكسبير وبريخت وبابلو نيرودا وتولستوي وجورج أوريل وماركيز ونجيب محفوظ خالدون خلود الزمن ينهل من معينهم رواد الأدب العالمي. وفي الفن والموسيقا لمع بيتهوفن وموزارت وسيد درويش وشارلي شابلن وأديت بياف وأم كلثوم وفيروز الأيقونة التي تمثل أرز لبنان وأرضه وشعبه.
هؤلاء الأدباء والفنانون هم الذين قدموا لمجتمعاتهم احتياجاتها، وعبروا عن مشاعرهم الإنسانية، وكسبوا قلوب الناس في عقولهم على مر الأجيال، فلن يدوم إلا الأدب والفن الراقي المعبر عن الشعوب ومشاعرهم الأبدية. وأخيراً الأدب والفن هما معايشة حقيقية للإنسان في كل مجال وفي كل مكان، ومن دون هذه المعايشة يفتقد الأديب أو الفنان مادته الخام، ومن دونها أيضاً لن يمثل التجربة التي تمكّنه من صياغة عمل فني أو أدبي يخلّده.
د. رحيم هادي الشمخي