أقـل مـا يـقـال.. القانون خير من يكرس الأخلاق
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
ثمة ارتياح ملحوظ لتجربة توزيع البنزين بموجب رسائل نصية تحدد موعد تعبئة مخصصات كل سيارة، إذ حققت هذه التجربة عدالة نسبية لشريحة واسعة من مالكي السيارات، ونأمل أن تتبدد الهواجس حول عدم تجاوز إرسال الرسائل لـ 7 أيام، كما حدث لرسائل الغاز التي كان من المقرر أن تحصل كل أسرة على أسطوانة كل شهر، فامتد الأمد إلى ما يزيد عن شهرين..!
إنها إدارة ناجعة لقلة الموارد – أو هكذا تبدو حتى اللحظة – وتسجل حقيقة لوزارة النفط، ولاسيما أنها ألغت مظاهر الازدحام غير اللائقة، ولكن يبقى هناك أمر لابد من استدراكه بأية وسيلة كانت، ولا يزال يستفز من يصطف للحصول على مخصصاته، ويتمثل هذا الأمر باستمرار تجاوز “بعض ذوي النفوذ” طابور السيارات المصطفة – رغم قلة عددها مقارنة بالسابق – في مشهد يؤكد أنهم غير مكترثين بأي آلية تضبط عدالة التوزيع من جهة، وأنهم فوق القانون من جهة ثانية..!
رغم أن المشهد العام للحصول على المخصصات قد تغير بنسبة عالية، إلا أن مظاهر التجاوز هذه تعكر الصفو العام للمجتمع، وهذا الأمر مرتبط حقيقة بالثقافة والأخلاق العامة، والضابط الأساسي له هو الضمير الإنساني والالتزام الأدبي..!
ولنا أن نتخيل الصورة الحضارية الممكن تجسيدها في حال تعميم ثقافة الالتزام الذاتي، ليس على محطات الوقود فحسب، بل على مرافق العمل الحكومي والخاصة كافة؛ ونعتقد أن بذرة هذه الثقافة لا تزال حاضرة بكل أبعادها في المجتمع السوري، ولكن قد تحتاج إلى من ينميها، خاصة بعد ما عصف به ما عصف من أزمات ليست بالقليلة.. ولا نقصد بتنميتها من خلال حملات إعلامية إرشادية تعتمد التلقين التقليدي، وإنما من خلال التشدد بتطبيق أحكام القانون وآليات انضباطه بدون أدنى حدٍ من التساهل..!
إذا ما تحدثنا ببعض التفاصيل التي قد يراها البعض أبسط من أن يسلط عليها الضوء كـ “تجاوز إشارات المرور، وعدم رمي الأوساخ في الشارع..”، وغيرها من التجاوزات التي تعتبر صغيرة جداً ولا تستحق التطرق إليها، وارتقينا إلى مستوى الالتزام بها ولو بحد سيف القانون، فنعتقد أنها البداية السليمة لتصحيح مسار ثقافة المجتمع الأدبية والأخلاقية؛ وبذلك قد نصل إلى مرحلة نقلب بها معادلة “الشاذ” إلى “طبيعي”، تماماً كما هو حاصل في بلادنا في مسألة التهرب الضريبي، إذ أضحى المتهرب “فهلوياً”، ومن الطبيعي أن يحاول دفع أقل ما يمكن من تكليفه الضريبي، على عكس نظيره في الدول المتقدمة، إذ ينظر له على أنه “شاذ عن القاعدة”، لا بل يعامل بازدراء, ويصبح محط نقدٍ من الجميع، وربما ينعت بصفة “مرتكب جناية” بحق المجتمع..!
نعوّل أخيراً على وعي المجتمع السوري المتأصل بتاريخه وحضارته، وإن كان هناك من يخرج عن هذه القاعدة، فنرى أن حُسن تطبيق القانون وحده قادر على تعديل اعوجاجه..!