مجلة البعث الأسبوعية

الأزمة المالية تفضح واحدة من أسوأ الحقب في تاريخ الكرة الحلبية!

“البعث الأسبوعية” ــ محمود جنيد

تبدو الكرة الحلبية هذا الموسم كمراهق تائه أضاع البوصلة وضل الطريق، وهو يسير على غير هدى أو سمت، أو بلا هوية أو سمة للشخصية المشوشة والهيبة المفقودة، فكبيرها – الاتحاد “بـهاله وهيلمانه” – أصبح طريق عبور للفرق في الدوري المحلي، وآخرها – تشرين المتصدر الذي اصطاد هذا الموسم ثلاث نقاط ثمينة من عقر الدار الأهلاوية، ملعب الحمدانية – عزز صدارته، بينما تراجع الاتحاد إلى المركز العاشر على مقربة من خط القاع السفلي مع نهاية الجولة الثانية والعشرين، بما لا يليق بسمعته وتاريخه كبطل لكأس الاتحاد الآسيوي، في حين سقط قطب حلب الآخر في الأضواء – الحرية – مرة جديدة، وهذه المرة أمام الجيش، برباعية صاعقة عمقت جراجه وكرست رسوه في قاع فرق الدوري بانتصار وحيد خلال 22 جولة، وهي حصيلة تعكس واقع الفريق الذي يسير بخطا ثابتة نحو هاوية الدرجة الأولى.

 

الاتفاق على الخراب

الأسوأ من ذلك هو أن تلك النتائج أعقبت فعلة شائنة غير مسبوقة في تاريخ الكرة الحلبية، حيث امتنع لاعبو الفريقين، خلال الأسبوع السابق للجولة الثانية والعشرين، عن التدريبات كوسيلة للضغط على إدارة النادين للانصياع لمطالبهم المادية؛ وهناك من شبه ما حدث بالاتفاق على الخراب!! وللمفارقة، كانت البداية من الدرجة الثانية، وتحديداً من فريق “حرفيي حلب” المتأهل عن مجموعة حلب لنهائيات دوري الدرجة الثانية لكرة القدم، إذ امتنع لاعبوه عن التدريبات وهددوا بعدم المشاركة في النهائيات – كما أفصح لنا مدربهم جمال هدلة – بسبب عدم صرف مستحقاتهم المالية، أو حتى جزء منها، لتغطية مصاريف المواصلات.. وهذه الفكرة أعجبت جيرانهم العمال، وأعدوا العدة للعمل بالمثل، في حين ضرب لاعبو الحرية “بالمليان”، وأعلنوا عصيانهم على التدريب الأخير قبل لقائهم مع الجيش في الجولة الفائتة من الدوري الممتاز، للسبب المادي نفسه، ولم يكذب إخوانهم في المعسكر الاتحادي خبراً، ونسجوا على منوالهم في اليوم التالي؛ لتصبح هذه القصة – وبطلها التأخر في صرف المستحقات المادية – “السوبر تريند” على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يرى أن للاعبين الحق بالمطالبة بمستحقاتهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة الراهنة، ومن يعيب عليهم ذلك نظراً لسوء المردود والنتائج.. آخرون اعتبروا بأن ما حصل فضيحة “مجلجلة” للكرة والرياضة الحلبية التي أصبحت أضحوكة في زمن قيادة إدارية تعكس بسوء أدائها العام واقع رياضة حلب.‍

 

فرصة اتحادية أخيرة

ردة فعل إدارتي الناديين على سلوك لاعبيهما كان متبايناً، إذ سارعت إدارة نادي الاتحاد لعقد اجتماع مطول، مساء الخميس الفائت، جرى خلاله بحث التصرف الذي قام به لاعبو الفريق الأول بكرة القدم بإمتناعهم عن إجراء التمرين، بحضور مدرب الفريق، البرازيلي آرثر، والمدير الفني، أحمد هواش. وبعد المناقشة، ومن منطلق تعزيز الثقة بالمدرب، وبناءً على طلبه، تمّت الموافقة على منح فرصة أخيرة للاعبين من خلال التمرين المقرر صباح يوم الجمعة، وعدم اتخاذ أي إجراءات بحقهم؛ وطلب مجلس إدارة النادي من اللاعبين الالتزام الكامل بالتمارين، تحت تهديد اتخاذ الإجراء المناسب تجاه أي لاعب يتقاعس أو يمتنع عن التمرين وفق اللائحة الانضباطية، بما فيها فسخ العقد.

عضو مجلس إدارة النادي، مسؤول كرة القدم محمد كعدان، أشار إلى أن الإدارة أوفت بوعدها وأمنت رواتب شهر آذار ومكافأة الفوز على الوحدة ومقدارها أربعة ملايين، وخيرت اللاعبين بين استلام “شيكات” بالمبالغ أو الانتظار حتى يوم الأحد المقبل لصرف المبالغ “كاش”، لكن اللاعبين – يضيف الكعدان – طلبوا استلام دفعات مقدمات العقود مع المكافأة والرواتب حصراً، وعدم التريث لحين تأمين سيولة تغطي القيمة في ظل الظروف الراهنة حيث تقبع جميع الأندية بالفاقة المادية، وعدم القدرة على خلق أو تفعيل أي استثمار، إذ تطرح المواقع الاستثمارية للمزادات الاستثمارية دون أن يأتي أحد لمجرد الاطلاع على دفاتر الشروط الفنية.

من جانبه، لاعب الاتحاد، حسام الدين العمر، أكد لـ “البعث الأسبوعية” أن اللاعبين لم يمتنعوا عن التدريب، والجميع فهم الأمور بصورة خاطئة، مبيناً أن حالة من الخيبة والإحباط الشديد شعر بها اللاعبون في أحد التدريبات التي سبقت لقاء الفريق مع المتصدر تشرين في الجولة الثانية والعشرين من الدوري الممتاز، إذ فوجئوا بقرار عدم صرف دفعة من مقدمات العقود الثانية، والاكتفاء بالرواتب ومكافأة الفوز على الوحدة في ربع نهائي الكأس، وهو ما أثبط عزيمتهم دون أن يغادروا مكان التدريب الذي أصبح غير ذي جدوى مع الحالة المعنوية السيئة للاعبين حينها، فيما اعتذر العمر باسم زملائه من جمهور الاتحاد عن هزيمة تشرين ووعد بالتعويض بكأس الجمهورية.

 

إنعاش غير نافع!

أما إدارة نادي الحرية المحكومة بواقع الخطر المحدق بفريقها الذي أصبح على شفير هاوية الهبوط إلى الدرجة الأولى، فقد تعاملت مع الموضوع بطريقة أخرى، إذ استنجدت باللجنة التنفيذية للمساهمة بالحل المسكن لوجع اللاعبين من خلال تأمين سلفة مالية مقدارها مليوني ليرة، وزعت على اللاعبين بمعدل 100 ألف ل. س، كدفعة بسيطة، قبل صرف دفعة جيدة من المستحقات فور وصول دفعة “استثمارات” طلبت الإدارة الإسراع بتحويلها للمساهمة في حل الأزمة المالية.

أكثر من ذلك، “طيّب” رئيس النادي نور الدين تفنكجي – كما أكد لـ “البعث الأسبوعية” – خاطر اللاعبين لشحن معنوياتهم، بأن ذكر على مسامعهم، أمام رئيس وأعضاء التنفيذية الحلبية، بأن “لهم حقاً برقبته كرئيس ناد”، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يكابدها الجميع، مع تجديده الثقة بالكادر الفني واللاعبين، كذلك بأمل البقاء في الممتاز حتى الرمق الأخير.

لكن ذلك لم يجد نفعاً، إذ سقط الفريق “بالأربعة” أمام الجيش، وأصبح هبوطه وشيكاً، مع تأكيد المدرب رضوان الأبرش لـ “البعث الأسبوعية” بأن لاعبي النادي يقودهم الحس بالمسؤولية تجاه ناديهم، وهو أهم أسباب خيبات الفريق الذي صرخ قائده، حسن مصطفى، تعقيباً على فعلة الامتناع عن التدريب، بالقول: “بدنا نعيش!!” في ظل هذه الظروف المعيشية القاهرة، التي يقابلها عدم قدرة إدارة النادي على تأمين ما يسد رمق أسر اللاعبين، ما أصابهم بالقهر المعنوي الذي انعكس على الأداء والنتائج، وآخرها أمام الجيش.

 

“خلاصة الكلام”

بالنسبة لنا، وتعقيباً على حصل، وهو غير مقبول أو لائق بحق الرياضة والأندية والكرة الحلبية، فإننا نرى أنه نتاج قانون احترافي غير مناسب لواقعنا مع سقوف مفتوحة للتعاقدات، الأمر الذي ضخم وبصورة غير منطقية قيمة اللاعب الشرائية في سوق الانتقالات، وجعل الأندية تلهث لـ “قشّ” ما هو متوفر في السوق ضمن سباق محموم أبرز فوارق القدرة الشرائية بين الأندية، لينجح “مين معو” بالاستئثار بالأفضل، والعكس بالعكس، مع وقوع كثر منها في الفخ؛ فبعد أن “راحت السكرة وجاءت الفكرة”، وجدت الأندية – ومنها الكبيرة مثل الاتحاد أو الحرية – نفسها غارقة في المديونية (الاتحاد 370 مليوناً، والحرية 527 مليوناً)، فكيف لها أن توفي التزاماتها تجاه لاعبين قال لنا أحد المدربين أن قيمتهم الحقيقية التي توازي كفاءتهم الفنية لا تتعدى 10% مما دفع لهم ووثق في عقودهم، أي أن الموضوع برمته عباءة احتراف فضفاضة وسوء إدارة وأفق ضبابي في الأندية، في ظل غياب الفكر والعقلية الناضجة، وإبعاد الشخص المناسب عن مكانه المناسب، وتحديداً في الرياضة الحلبية!!