مجلة البعث الأسبوعية

مساعٍ لتنظيم العمل الإنساني والتنموي تحت مظلة واحدة وسط “غيبوبة” الفعاليات الاقتصادية

“البعث الأسبوعية” ــ ريم ربيع

كما جرت العادة، ومع حلول شهر رمضان الكريم، تكثر المبادرات والفعاليات الخيرية والإنسانية، وينشط عمل الجمعيات لتصل إلى الطبقة المحتاجة للدعم على أوسع نطاق، إلا أن هذه النشاطات سرعان ما يخبو معظمها بعد انتهاء الشهر الفضيل، لتبقى قلة قليلة مستمرة بالعمل ضمن رؤية واضحة ومنضبطة، فمساهمات الجمعيات الخيرية والمبادرات عموما التي انطلقت خلال السنوات العشر الأخيرة –وإن أثبتت جدواها في بعض الأحيان- إلا أنها مازالت تتصف إلى حدٍّ كبير بالعشوائية وضبابية البيانات، والتناقض حتى في بعض الأحيان.

 

تناقض

ورغم الجهد الكبير الذي تبذله بعض الجمعيات والمبادرات الإنسانية أو التنموية، إلا أن غياب التنظيم فيها يبدد جزءا كبيرا من عملها، لتكون الانعكاسات الإيجابية طفيفة جدا وتكاد لا تلحظ، وقد يعود ذلك إلى انعدام الرؤية الجامعة لتلك المبادرات، فلاحظنا أن كلّا منها يعمل بنهج يتناقض مع الآخر، وتكون النتيجة بتركيز المساعدات في منطقة أو مدينة ما دون أخرى مثلا، أو أن يستفيد شخص واحد من عدة خدمات وآخر لا يجد له مكانا، هذا على مستوى المساعدات فقط، فماذا عن الجمعيات التنموية التي تدعم المشاريع الصغيرة أو أين دور رجال الأعمال ومسؤوليتهم الاجتماعية وهم أول المعنيين في هذا المجال؟

 

لكلٍّ دوره

مع تزايد الضغوطات والضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الشارع السوري اليوم، بات لزاما على المجتمع الأهلي والاقتصادي تنظيم عملهم برؤية شاملة وواضحة، ليس فقط لتقديم يد العون، وإنما ليأخذ كل منهم دوره الحقيقي في تحمل جزء من العبء، ودعم الاقتصاد أيضا عبر دعم المشاريع التنموية، وتجاوز مسألة المساعدات المادية ليكون التوجه نحو التنمية وتأسيس عمل أو مشروع بسيط لمعدومي الدخل؛ وهذا الحديث كان واضحا في سلسلة من الاجتماعات التي عقدت ضمن مختلف القطاعات لمناقشة تنظيم العمل الإنساني والتنموي وضمان وصوله لكافة الشرائح المحتاجة.

 

تنظيم البيانات

رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، د. أكرم القش، لفت في تصريح لـ “البعث الأسبوعية” إلى أنه يتم العمل على مسارين حاليا، الأول يتعلق بإيجاد نوع من الرصد الكامل، وبيانات منظمة للأسر الأكثر احتياجا، ليكون تنظيمها في النهاية عبر صندوق المعونة الاجتماعية، والخطة الثانية هي العمل بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والنقابات المهنية، ليكون توزيع المساعدات وانتشارها بالتشارك مع النقابات بحيث يصبح العمل منظما وشاملا.

وبيّن القش أنه يتم توجيه الجمعيات لدعم الشرائح الأكثر احتياجا، وبينها المسرحون وأسر الشهداء وتمكين النساء، فضلا عن تشجيع الجانب التنموي عبر تأسيس فرص عمل أو قروض ميسرة أو مشاريع إنتاجية، أو حتى بالتعليم أو التأهيل والتدريب، فيما يحتاج البعض وساطة فقط مع أرباب العمل، معتبرا أن استمرارية المبادرات والجمعيات عموما مرتبطة بالإمكانيات المادية والتنظيم.

 

جرد

وبحسب د. القش، فإن العمل يتجه منذ شهر تقريبا لجرد إمكانيات كل الجمعيات وتوزيعها بشكل أكثر عدالة لتصل إلى أوسع شريحة، وذلك بإشراف من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والفريق الاجتماعي بشكل كامل، مشيرا إلى أن بعض الصعوبات التي تواجه التنظيم تتمثل بتوجه نسبة جيدة من المتبرعين للتعامل مع جمعيات محددة نظرا لثقتهم فيها، فتتركز المساعدات في مناطق محددة.

أما بالنسبة للمنظمات الدولية الشريكة لبعض الجمعيات، فهنا يكون تدخل الهيئة والفريق الاجتماعي حيث نقترح عليهم – والحديث للقش – أماكن توزيع المساعدات لتنتشر على نطاق واسع، وعندما يظهر إجحاف ببعض المناطق تكون وزارة الشؤون الاجتماعية عندها معنية بدعمها حسب الإمكانيات المتاحة.

 

تكثيف الجهد

وأوضح رئيس هيئة شؤون الأسرة أن المبادرات والجمعيات تعمل بشكل مستمر، والخدمات على مدار العام، إلا أن الإضاءة على عملها تكون أكبر بشهر رمضان، حيث يصبح الجهد مكثفا أكثر، وتزيد التبرعات بشكل كبير، مبينا أن المساعدات تكون بأشكال مختلفة، لكن خلال رمضان فهي تركز على الجانب الخيري والمباشر، فضلا عن السلل الغذائية التي بات توزيعها دوريا، مضيفا: لا نضيء دائما على العمل “ضمانة لكرامة الناس”.

 

مسؤولية

لعل أهمية المبادرات الاقتصادية تكمن – وفقا لرجل الأعمال والخبير الاقتصادي عامر ديب – في أنها تشكل حالة شعبية إيجابية ومسؤولية تجاه الاقتصاد الوطني، فلكل شخص اليوم مسؤولية تحفزها الحملات والمبادرات الشعبية، معتبرا أن هذا النوع من الحملات أكثر أهمية من المبادرات التي تطلقها جهات رسمية، إذ أنها تشمل فئات شعبية أوسع.

 

اقتصاد تبادلي

ديب – الذي فضّل أن يقدم للشخص مشروعا تنمويا لتوفير بيئة منتجة تعمل وتعطي بدلا من العمل الخيري – رأى في حديثه لـ “البعث الأسبوعية” أن الاقتصاد الوطني اليوم تبادلي بين الشعب والحكومة، ومن واجب الجميع تقديم ما لديه ليكون فاعلا، مقترحا أن تكون كل الجمعيات الخيرية المعنية بالشأن الإنساني تعمل تحت مظلة واحدة ذات مصداقية وموثوقية عالية شعبيا، أما في الوقت الراهن فهناك حالات “نصب” كبيرة تحدث خلف عباءة العمل الخيري.

وفي رده على دور غرف الصناعة والتجارة – التي وصفها ديب بغرف “الشقيعة” – يقول: لم نر أي نشاط فاعل من قبلهم، وهم مشغولون “بطقطقة البراغي” لبعضهم البعض، فالدور الإيجابي الكبير الذي أخذوه من الحكومة عادوا لاستغلاله بغايات شخصية، مؤكدا أن المصلحة اليوم تتطلب التغاضي عن الخلافات الشخصية، وأن تقوم كل فعالية بدورها ومسؤوليتها الاجتماعية تجاه الآخرين.

 

تشبيك

وأشار رجل الأعمال عامر ديب إلى المبادرة التي انطلقت تحت اسم “تشبيك” بهدف صناعة مجتمع منتج، وتحقيق التكافل الاجتماعي، عبر تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير مهارات الأفراد والأدوات والمهارات، حيث يتم التواصل من كل المحافظات عبر إيميل موحد، ليرسل كل شخص فكرة مشروعه، ثم تفرز المشاريع وتعرض على رجال الأعمال والمهتمين بالتمويل، إلا أن هذا النوع من المبادرات يتعرض لعقبات خاصة نظرا لكبر الشريحة، حيث بيّن ديب أن هناك ضعف كبير بطريقة التعامل، متسائلا أين كانت المبادرات السابقة والتي عملت على تطوير هذا الأمر!