مجلة البعث الأسبوعية

بين مؤيد ورافض.. إلزامية حضور الجانب النظري في الجامعة تثير جدلاً!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

أن تشاهد مدرجاً شبه فارغ في إحدى الكليات الجامعية فالحالة غير مستغربة، فليست هناك مادة صريحة في الأنظمة الجامعية تلزم الطالب بالحضور للقسم النظري من المقرر، غالبية الطلبة وجدوا في ذلك فرصة للبحث عن عمل لتأمين مصروفهم الدراسي، فيما وجدها البعض منهم فسحة للتسكع في الجامعة، ومضيعة للوقت، وقد وصل الأمر بالبعض الآخر إلى ارتكاب المحرمات ضاربين الثقة التي منحها ذويهم لهم بعرض الحائط!.

هذا الموضوع كان مسار نقاس بين مجموعة من أساتذة الجامعة عبر منبر “دكاترة الجامعات السورية”، وجاء على خلفية شكوى إحدى السيدات التي وقعت ضحية خداع من ابنتها التي أوهمتها بالذهاب كل يوم للجامعة من الصباح حتى المساء، لكنها اكتشفت فيما بعد أنها كانت تكذب، وأن سلوكها كان منحرفاً بشكل أساء لها وإلى ذويها.

أحد الأساتذة طرح سؤالاً: لماذا لا يكون حضور محاضرات النظري إلزامياً في الجامعات الحكومية؟

مع وضد!

فريق من الأساتذة تحفّظ على إلزامية الحضور لمحاضرات القسم النظري واعتبره في غير محله، ومبرراتهم في ذلك أن كل طالب يعرف مصلحته ويُقدّر مدى الفائدة العلمية التي يتحصل عليها من المحاضرة النظرية، وبرأيهم لا يجوز النظر إلى الطالب الجامعي كأنه طالب مدرسة ملزم بالحضور وإن غاب كثيراً يُلزم حضور ولي أمره.

أما فيما يخص متابعة سلوك الطلبة، فبرأيهم هذا ليس من حق الأستاذ، ولا يقع عليه عبء هذه المسؤولية، فالطالب والطالبة في الجامعة وصلا إلى مرحلة النضج وعليهما تحمّل عواقب أعمالهم سواء كانت إيجابية أو سلبية.

انتهاك للخصوصية!

وبرأي الأساتذة أن أخذ التفقد اليومي ونشره على صفحات الكليات أمر ينتهك خصوصية الطالب، عدا عن أنه يُضيع الكثير من الوقت على الطالب ويأخذ من حصة المحاضرة التي يجب أن تكرّس للفائدة العلمية، حتى درجات الامتحان التحريري والعملي لا يُحبّذ هذا الفريق من الأساتذة نشرها بالاسم الصريح، بل بالرقم الامتحاني تجنباً لإحراج الطالب.

وأبدى جانب من الأساتذة عدم الموافقة على أخذ التفقد للحضور النظري، مبررين ذلك بوجود العديد من الطلاب الذين لا تسمح لهم الظروف بحضور جميع المحاضرات، وبرأيهم يكفي فقط اخذ التفقد بالدروس العملية، وبينوا أنه لا يجوز الخلط بين المسؤولية التعليمية والتربوية، فالأخيرة من اختصاص الأسرة، فهي المسؤولة عن سلوك أبنائها.

نضج ووعي

وقال أنصار هذا الرأي: نحن بجامعة ولسنا بمدرسة ومن المفروض أن يكون الطالب قد وصل إلى مرحلة من النضج والوعي ولديه القدرة على تحمل مسؤولية قراره بالحضور من عدمه، فيما رأى آخرون أن الوضع المعيشي الصعب أجبر الكثير من الطلبة على العمل لتأمين مصروفه الشهري، بل وحتى مساعدة أهله، لذلك إلزامه بالحضور للقسم النظري من المقرر قد يقطع برزقه وربما يدفعه ذلك إلى ترك الجامعة لعدم قدرته على التوفيق بين عمله ومحاضراته.

منتهى البساطة

على الطرف الآخر شدد عدد من الأساتذة على ضرورة وأهمية الحضور النظري وضرورة أخذ التفقد، وبينوا أن الموضوع في منتهى البساطة، وهو مُدَّون في قانون تنظيم الجامعات، وفي اللائحة التنفيذية، واللائحة الداخلية لكل كلية، مشيرين إلى ضرورة أن يحقق الطالب نسبة دوام مطلوبة، وهذه منصوص عليها صراحة في الأنظمة النافذة، وتطبق في القسم العملي من المقررات بكل سهولة، مع أن نصيب القسم النظري من العلامة أكبر من نصيب القسم العملي.، وبرأيهم يمكن ضبط العملية بكل بساطة بتخصيص جزء من العلامة للدوام، وتفادياً للتفقد الورقي الذي قد يتعرض للتزوير اقترحوا إيجاد آلية الكترونية لتسجيل الحضور بالتنسيق مع مراقبي الدوام الموجودين في كل كلية، وذلك على غرار أنظمة المراقبة الإلكترونية التي تستخدم للموظفين في بعض الدوائر الحكومية، ومراكز البحوث، ودوام الإداريين في الجامعات، مؤكدين على أهمية  أن يكون لدى أستاذ المقرر فكرة عن الحضور، وأيضاً الطلبة من أجل تحقيق نسبة ولو قليلة نظراً لأهمية التفاعل بين الطالب والأستاذ، وانعكاس ذلك إيجاباُ على نسبة النجاح.

وقل أحد الأساتذة: هناك بعض المواد يكون الحضور فيها إلزامي في النظري ويؤخذ التفقد مثل حصة العملي، ويحرم من لم يحقق نسبة الدوام المطلوبة، فيما يوجد  بعض المواد حضور النظري فيها اختياري، وأوضح أنه من الناحية القانونية لا يجوز أخذ التفقد، وفي حال أراد الأستاذ ذلك بخلاف ما نصت عليه اللائحة الداخلية فمن الأفضل أن تغطي نفسه بقرار مجلس الكلية لكي لا يقع تحت المساءلة.

محفزة لا إلزامية

وبيّن الأساتذة أن إجراء تفقد يومي وتسجيل أسماء الحاضرين هو جزء من الواجب الأكاديمي، مؤكدين أهمية ذلك، ولكن يفضل أن يتم ذلك بطريقة محفزة وليست إلزامية كأن يكافأ الطالب المثابر على الحضور النظري بمنحه درجة مميزة في العملي، أو أن يكون هناك سؤال ضمن الامتحان النظري متعلق بالحالات التي تم عرضها وشرحها أثناء المحاضرة والتي تعتمد على التحليل الشخصي المكتسب من الحضور.

وأشار جانب من الأساتذة إلى أن هناك قرارات جامعية طالبت بتسجيل الحضور واعتماد نسبة دوام ٧٥ بالمائة بالنظري لكن تم تجاهلها لأسباب عديدة، متسائلين: لماذا تم إلزام الطلاب بالجامعات الخاصة بالدوام، فيما تُركت الحرية المطلقة للطالب بالجامعات الحكومية؟!.

طالب مدرسة!

وذات الموقف أكده أستاذة آخرون بأن أخذ التفقد في النظري فكرة إيجابية لكونه نقطة أساسية لحرمان الطالب من تقديم امتحان المقرر في حال لم يحقق نسبة الحضور المطلوبة، أما موضوع سلوكه وتربيته وهو بهذا العمر من النضج فهذا غير ممكن وغير مقبول التعامل معه كطالب مدرسة.

وأشار البعض أن هناك جامعات عالمية لا تسمح للطالب الدخول إلى الامتحانات إلا إذا حقق نسبة عالية من الحضور ( في النظري والعملي ) باستثناء الطلاب الملتزمين بعقد عمل، فحضور الطالب أمر مهم لتكوين الشخصية الجامعية المصقولة ولأن العملية التعليمية ليست حشو معلومات نستخدمها لإفراغها على الورقة الامتحانية بل هناك فائدة نفسية واجتماعية ومعرفية ومعنوية يجنيها الطالب من البيئة الجامعية.