مجلة البعث الأسبوعية

مدوّنات توثيقية

سلوى عباس

يتعاظم دور الكلمة القادرة على التأثير في الحروب والأزمات، فالكلمة هي البداية الأولى للتغيير وتصبح الساحات مفتوحة أمامها، وهنا يبرز دور الأدب من خلال توعية الناس من الفتنة ونشر التسامح والمحبة والاحتكاك بكل شرائح المجتمع  للوقوف في وجه الأزمة، فمنذ عام 2011 أصبح هناك مسؤولية كبيرة على عاتق  الأديب لأنه يحمل مشعل النور في زمن الظلمات، وينشر الحب في عصر الكراهية، ويمجد السلام في زمن الحرب، فهو في النهاية روح ما ينشده المجتمع ويتوق إليه، وعليه أن يكون فاعلاً في التأثير على الناس، فدوره خلاّق ليزرع الأمل وطرح المشكلة مع حلها، لأنهما مترادفان وإلا فليس هناك فائدة مما يقدمه، لأن مهمة الأدب ليس فقط توصيف الحالة بل أيضاً إيجاد حل للمشكلة والإشارة إلى مواطن الخطأ ولو بطريقة رمزية، فالأزمات والحروب تتغير وتفنى، لكن الكلمة باقية، لذلك كل ما يكتب من أدب سواء كان شعراً أم نثراً أم رواية أم قصة، يجب أن يحمل رسالة إنسانية تحث على التمسك بقيم الخير والحق والجمال.

وفي وقفة مع ما كتب خلال سنوات الحرب التي تجاوزت الاثني عشر عاماً حُبّرت الكثير من الصفحات تحت مسميات مختلفة كالرواية والشعر والقصص وغيرها من الأنواع الأدبية، لكن السؤال هل استطاعت هذه الحرب أن تفرز أدباً حقيقياً يتناول عمقها وروحها، يحلل عواملها الذاتية والموضوعية، أسبابها ونتائجها، ويربطها بمعطيات الحياة، أم أنها كانت مدوّنات توثيقية تاريخية دون أن تحمل أي طابع أدبي؟. هذه الأسئلة تحمل أجوبتها معها، فباعتقادي ومن خلال متابعتي لما كُتب عبر تلك السنوات حتى الآن لم يستطع أي أديب أو فنان أن يقول الكلمة التي تعبر عن ماهية هذه الحرب، فالأعمال الأدبية التي كتبت خلال تلك الحرب التي لازالت قائمة حتى الآن، كانت متسرعة ومكتوبة تحت وطأة الصدمة، أما تلك الأعمال التي تعيد مراجعة الواقع بهدوء، وتربط الحرب بفعاليات الحياة وتاريخها، والمعطيات المتناقضة التي تداخلت فيها، مثل هذه الأعمال كما أرى لم تكتب بعد، فهناك توهجات فنية عالية أشارت إلى أبطال بعينهم، أشارت إلى الإنسان وتوقفت عند البطولات في حالاتها المفردة لا في حالاتها الملحمية، حرب كبيرة كهذه الحرب، وأقصد بالكبيرة هنا فعل المقاومة في الإنسان المحارب، البطل المؤمن بالحقوق، وهذه قيمة عظيمة للحرب أنها ارتبطت ملحمتها بهدف إنساني كبير وهدف وطني وقومي، ولأنها ارتبطت ملحمتها بهذه الأهداف الراقية، كان ينبغي على الأدب أن يكون بمستوى هذه الأهداف، وهذه العلاقات القادرة على تقديم الفن والرؤى الجميلة على كل المستويات الفنية (اللوحة، الموسيقا، القصيدة، الرواية، الأعمال الدرامية والسينمائية.. الخ)، فهذه الحرب أكبر وأصعب من الكتابات التي قدمتها أو أشارت إليها، وفي أكثر الأحيان الحروب الكبيرة تحتاج إلى أدب كبير حتى تصل صورة الحرب وأهدافها إلى الإنسان المتلقي وإلى الفن.

وتأكيداً على ما سبق، الحديث عن أدب هذه الحرب هو حديث عما يسمى اصطلاحاً “أدب الحرب” هذا الأدب الذي تنعكس فيه الأحداث ويعكسها بروحه الإبداعية بأشكال مختلفة تختلف حسب المسافة الفاصلة بين الحدث والنص، فكلما كانت المسافة قريبة كان هذا الأدب مباشراً احتفالياً تحريضياً، ولا ينكر أحد ما لهذا الانفعال التحريضي من دور وقت الحرب، حيث لحظة الدهشة في الانتقال من انكسار الذات إلى انتصارها وتألقها، لذلك حتى نستطيع القول أن الحرب أفرزت أدباً متميزاً، يجب أن يكون هناك مسافة كافية من الحدث لإنتاج النص الإبداعي الحقيقي، فالأدب الذي ينتج بعد مسافة بعيدة من الحرب لابد من قراءته وإعادة تأمله، وحينها يشكل لحظة من لحظات كتابة سورية لتاريخها النضالي الحقيقي، وبالتالي يتحول الأدب في هذا المقام إلى أدب تأملي يكشف في عمقه الإبداعي جوهر حقيقة هذه الحرب ليأخذ الأدب دوراً آخر يختلف عن دوره زمن الحرب، وهو دور إعادة تشكيل الواقع المعاصر من خلال قراءة الحدث، وهذا هو دور الأدب حال السلم والذي هو أعم وأشمل لما يحمل من فضاءات جديدة ورؤى مستقبلية.