الساسة الأمريكيون يجهلون التاريخ
ترجمة وإعداد: هيفاء علي
في هذا الوقت الذي تحتلّ فيه الاضطرابات في شرق أوكرانيا الحديث في وسائل الإعلام الغربية وتتصدّر عناوين نشرات الأخبار والصحف والمواقع الإلكترونية، ووسط مخاوف من تصاعد الاشتباكات هناك، أجرى دبلوماسيون روس وأمريكيون محادثات ثنائية في محاولة لتجنّب الصراع على نطاق واسع، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة في المنطقة لا تُحمد عقباها. وفي هذا الشأن طرح محللون سؤالاً كبيراً هو: هل إدارة “بايدن” ما زالت قادرة على التفكير المنطقي؟.
على الفور أجاب هؤلاء المحلّلون: منذ عهد دبليو بوش، كانت كل إدارة أمريكية يقودها دائماً رئيس جاهل وضعيف، ربما يكون جيداً في إلقاء الخطب، لكنه لم يكن لديه الذكاء ولا الإرادة ولا الشجاعة لقيادة الدولة. وقد أصبحت هذه الظاهرة لافتة بشكل خاص مع قدوم أوباما، الذي كان قائداً ضعيفاً وغير كفء بشكل كبير. ونتيجة لذلك، تمّ استبدال السياسة الخارجية، التي يجب أن تكون متسقة بالعديد من السياسات الخارجية المتنافسة، بسياسة خارجية قررها مسؤولو “فوجي بوتوم” والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية.
وفي الوقت نفسه، شاهد العالم بمزيج من الدهشة والرعب السقوط الحر في نوعية “دبلوماسيي” أمريكا. على سبيل المثال، منذ جيمس بيكر، لم يكن للولايات المتحدة مطلقاً وزير خارجية مختص، وينسحب الأمر نفسه على البنتاغون أو وكالة المخابرات المركزية.
هناك قول حكيم بمعنى إذا كان الجميع مسؤولين، فلا أحد يتحمّل المسؤولية. بالنسبة للولايات المتحدة، هذا يعني أنه بينما تدافع كل وكالة أو جماعة ضغط عن مصالحها الخاصة، فلا أحد مسؤول عن حماية الشعب الأمريكي عندما تحدث الكارثة.
ومن الإنصاف القول إنه في الوقت الذي تضاءلت فيه كفاءة الدبلوماسيين الأمريكيين، فإن غطرستهم وصلت إلى مستويات “الوقاحة” التي لم يسبق لها مثيل من قبل. وما يحصل الآن هو اندماج المسيحية الأنغلوساكسونية والمسيحية الصهيونية التي غدت هائجة بوحشية، حيث تعتبر الإدارات الضعيفة أيضاً هدفاً مثالياً للضغط، ومن هنا جاء الارتفاع الهائل لتأثير اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة.
ويلفت المحلّلون النظر إلى أنه لدى الأمريكيين عموماً، وصنّاع السياسة الأمريكيين على وجه الخصوص، جهل هائل بالتاريخ، وإذا تمّت إضافة هذه النرجسية إلى جهلهم هذا، فستكون النتيجة مزيجاً أكثر سميّة من الإحساس الكامل بالإفلات من العقاب والعجز النهائي عن رؤية أو تلمّس أدنى خطر أو تهديد.
ومع ذلك، يفهم الروس دائماً طبيعة الحرب لأنهم على عكس زملائهم الأمريكيين، وقد افترض المحلّلون أن تبدو المحادثة بينهما على النحو التالي:
الروس: إذا هاجمتنا، فسنغرق معظم أسطولك البحري وندمر مواقع قيادتك الرئيسية، وقد نضرب الولايات المتحدة القارية بأسلحتنا التقليدية (غير النووية) بعيدة المدى.
الأمريكيون: لا، لا يمكنكم فعل ذلك، نحن أقوى جيش في تاريخ المجرة. ألم تقرأ توم كلانسي؟.
الروس: ألا تفهمون ماذا ستكون عواقب حرب كبرى في أوكرانيا على القارة الأوروبية وعلى “حلفائكم” في الناتو؟! ألا ترحمون “حلفاءكم” الأوروبيين؟.
الأمريكيون: نستطيع وسوف نحميهم، نحن أقوى جيش في تاريخ المجرة!.
الروس: وكيف تخطّطون لحماية أي شخص من أسلحتنا التي تفوق سرعتها سرعة الصوت؟.
الأمريكيون: نحن الولايات المتحدة، اخفض بنادقك واستسلم، سنضيف خصوصياتك البيولوجية والتكنولوجية إلى خصوصياتنا. سوف تتكيّف ثقافتك لخدمتنا، المقاومة غير مجدية.
هذا هو المستوى العقلي ومستوى الخطاب لدى هؤلاء الجهلة في التلفزيون. وبالتالي، فإن احتمالات أن يؤدي ذلك إلى خفض التصعيد ضئيلة للغاية. ولكن ماذا عن الفرنسيين والألمان؟. هذان النظامان سيئان لكنهما ليسا غبيين. ومع ذلك، فإنهما يخضعان تماماً لإبهام العم سام ومن غير المرجح أن يتحدوه علانية، كل ما يمكنهم فعله هو التوسّل إليه، ومن غير المرجح أن يقنعه ذلك.
زيادة على ذلك، أشار وزير الخارجية الروسي لافروف في معرض مؤتمر صحفي في الهند إلى أن ألمانيا وفرنسا لا يفعلان شيئاً مفيداً، وأن هذين البلدين بحاجة ماسة إلى إعادة الأوكرانيين “إلى العقل”، لكن هل سيستجيب أي شخص لهذا التحذير؟.
حقيقة، من الواضح أن روسيا تحاول أن تظهر، قولاً وفعلاً، أنها لن تتراجع. وعلى الرغم من كل عيوبهم، يفهم معظم القادة الأوكرانيين أنه إذا تعلّق الأمر بحرب “ساخنة” فإنهم يخاطرون شخصياً بالموت.
على افتراض أن البولنديين نقلوا كتيبة أو كتيبتين إلى غرب أوكرانيا، بدلاً من القضاء عليهم، يمكن لروسيا أن تقرّر استهداف المقرات وقادة كتائبهم “فقط”. وبالتالي لن يضطر البولنديون الأبرياء إلى الموت، وسيصاب الباقي بالرعب، ولن يكون لدى بولندا أي وسيلة للانتقام. وماذا عن الناتو؟ الناتو سيحتج لكنه لن يتحرك على الإطلاق، تماماً كما فعل مع ساكاشفيلي. فليس هناك أي دولة من دول الناتو أو الاتحاد الأوروبي مستعدة لخوض حرب مع روسيا نيابة عن الأوكرانيين، حتى لو لم يكونوا بهذا الغباء!.