قسوة الواقع والفساد بأطر جديدة في دراما 2021
شكّلت الأعمال الاجتماعية المعاصرة عامل جذب للمشاهد السوري والعربي منذ الحلقات الأولى، بكل ما تحمله من تطور على المستوى الفني لحركة الكاميرا وتقنيات الصورة والموسيقا التصويرية، بمشاركة العازفين الأكاديميين والأصوات القوية مثل ميس حرب، وعلى مستوى الطرح الدرامي لقسوة الواقع التي تقود بعض الأشخاص إلى ارتكاب الجريمة أو الانحلال الأخلاقي، في حين يبقى الآخرون ضحايا الخيبات المريرة.
مطبات الفساد
ثمّة خيط دقيق يربط بين الأعمال التي يتصدّرها “ضيوف على الحب” بتوقيع المخرج فهد ميري، إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، للكاتب سامر محمد إسماعيل الذي يمسك في هذا العمل بزمام خيوط متعدّدة بحبكة محكمة تنطلق من البحرة التي تتوسّط فناء البيت الدمشقي وتتسرّب بمسارات تطال مجالات متشعبة في المجتمع، كاشفاً من خلالها الإغراءات المادية ومطبات الفساد بأطر جديدة يقع بها الشباب فتغيّر مصائرهم وأحلامهم الصغيرة، ليجدوا أنفسهم في أمكنة أخرى لا تشبههم ولا ينتمون إليها.
نماذج مختلفة تجسدها البطولة الجماعية لعدد كبير من الوجوه الشابة، منهم: رنا كرم- خلود عيسى– رنا العظم– عاصم حواط- كرم الشعراني-.. وغيرهم، يستأجرون غرفاً في منزل صباح (شكران مرتجى) إيماءة إلى صورة مصغرة عن الحياة، كما باحت بذلك في أحد المشاهد “ناس بتروح وناس بتجي، الناس ضيوف على الحياة”، ويمضي إسماعيل بسرد الأحداث المتصاعدة لأولئك الشباب وما يتعرضون له من ضغوط نفسية ومادية وعاطفية، وفي الوقت نفسه يكشف خيوط لعبة الفساد وراء التستر بأعمال إنسانية عبْر سيطرة ربّ العمل الفنان زهير رمضان (نزار بيك) يفصح عن ملامحها بأحد حواراته “في مجتمعاتنا لا توجد ثقافة التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة الآخرين”، ما يشير إلى المضي لمسار قضية عميقة ستتضح أبعادها في الحلقات القادمة.
استغلال النفوذ
وتبدو قسوة الواقع بمباشرة أكبر في مسلسل “بعد عدة سنوات” -إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي- بتوقيع المخرج عبد الغني بلاط ليحوّل ما خطه بسام جنيد الذي ربط بين زمنين في دمشق عام 1989، و2014 إلى تمازج لافت بالانتقالات المشهدية لعائلة “أبو نورس” الفنان علي كريم والتغييرات التي حدثت لأبنائه وجيرانه خلال ثلاثة عقود، وصولاً إلى الحرب الإرهابية والاشتباكات التي قادت المراسلة الصحفية رنا (ديمة قندلفت) للاحتماء بمنزل الطبيب معروف (سعد مينه) واستحضار قصة عائلته التي تدور حول قسوة الواقع ابتداء من العنف داخل الأسرة المتمثل بالمشهد الموجع بضرب الجار ابنته نور ودفعها ليرتطم رأسها بالجدار وتفقد الوعي، فتتدخل الأم التي تدفع حياتها ثمناً لدفاعها عن ابنتها التي فقدت بصرها وأصبحت عمياء تواجه وحشية المجتمع لأنها فقط ردّت السلام على ابن جيرانها الطبيب معروف، انتهاءً بالسلبيات التي يتعامل بها بعض الأشخاص المتنفذين ويدفع ثمنها الأبرياء، إلى الخوف من كل شيء الذي يولد شخصية غير متوازنة لا تدرك الصورة الحقيقية للأمور مثل شخصية نورس الذي يدفعه خوفه لاستخدام وسائل الدفاع عن الذات غير الصحيحة بتفكيره بتلفيق تهمة والانقياد وراء الجريمة.
السرد الدرامي بين الزمنين سيتوقف عند انعكاسات الحرب الإرهابية على حياة الأسر الآمنة وما تحدثه من تغييرات نفسية وحياتية صعبة.
عمليات التهريب
وتفتح ملفات الفساد عبر التستر بأعمال ظاهرية في “على صفيح ساخن”- إنتاج شركتي غولدن لاين وآيسي ميديا- بتوقيع المخرج سيف الدين سبيعي، وسيناريو يامن الحجلي وعلي وجيه، للاتجار بالممنوعات وعمليات التهريب والمافيات، وتأثير الحرب الإرهابية غير المباشر بالهجرة التي لم تنجح على مصير عائلة بأكملها من خلال شخصية هلال (باسم ياخور) إضافة إلى كثير من القضايا الاجتماعية المتفرعة تطال المرأة من خلال قصة هند (أمل بوشوشة) وانفصالها عن زوجها بقرار منه.
إنها بدايات لأعمال قوية استحوذت على الانتباه، تكامل فيها الشكل والمضمون.. ربما تحمل مفاجآت أكبر من التوقعات تقود إلى تحليل قراءاتها من جوانب عدة.
ملده شويكاني