“موسم الهجرة إلى الشمال” في نادي القراءة
البعث – نزار جمول
دأب نادي القراءة في صالون سلمية الثقافي على أن تكون كل جلسة من جلساته نصف الشهرية غنية من خلال شغف القراءة عند الأدباء والشعراء والقاصين الذين أدلوا بآرائهم، ومن ثم مناقشة كل رواية في كل جلسة، بما يخدم قضايا اجتماعية وثقافية ووطنية، فجاءت الجلسة الأخيرة في أمسية رمضانية هادئة لتناقش رواية الكاتب السوداني الطيّب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، وبيّن مدير النادي الأديب عبد العزيز مقداد أن الرواية تم تصنيفها من أهم مئة رواية عربية في القرن العشرين، وقد كتبها المؤلف في بداية ستينيات القرن الماضي الذي يمثّل العصر الذهبي للسياسة العربية، لأنه عصر التحرر والثورة على الاستعمار، واعتبر مقداد أن الحكاية يسردها بطلها مصطفى سعيد، حيث عاش صراعاً نفسياً من خلال جذوره الممتدة إلى الجنوب في السودان، وعاداته وتقاليده وثقافته وعلاقته بأمه وأي امرأة في قريته، إضافة للعلاقات المفتوحة في المجتمع الغربي، والصراع في الرواية يتمثّل بالحرية بكل معانيها في المجتمع الغربي “الشمال” بوجود حريات الفكر والسياسة وحتى الجنس بعكس الجنوب الذي يعاني من انحسار هذه الحريات، واختتم مقداد حديثه بالتأكيد على أن هذه الرواية تمثّل الصراع بين الشرق والغرب، الصراع بين الرجل الشرقي بجذوره وبدائيته والمرأة المتحررة في الغرب.
ورأت الشاعرة ميساء سيفو أن الرواية تصف الريف السوداني بشكل دقيق مع لغة رشيقة وحوارات دقيقة ومعبّرة وغير متكلفة، مع تركيز الكاتب على نماذج للمرأة في المجتمع السوداني، بينما اعتبر الشاعر عدنان الخطيب أن شخصيات الرواية الأساسية تتمثّل بالراوي المثقف، وكريم الخلق، ويحمل الأمانة ويحفظها بانتمائه لوطنه، أما الجد فيمثّل المجتمع التقليدي بكل مراحله قبل الاستعمار وبعده، والشخصية الرئيسية للرواية مصطفى سعيد هو الذي سبق زمنه بعد أن تبناه الانكليز، واستطاع استيعاب الثقافة الغربية بكل تفاصيلها دون أن يندمج فيها، والشخصية الأرستقراطية جين مورس التي مثّلت الحضارة الغربية المتفوقة.
وبيّنت الشاعرة هناء حمود أن أسلوب الرواية اعتمد على السرد المسترسل، والتعبير الذي تمثّل بالدهشة والتشويق والخيال من خلال صوره الجميلة، كما تحدثت الرواية عن قضايا مختلفة كالاستعمار والتحرر والجنس والسياسة والفكر والأيديولوجيا والعلاقة بين الشرق والغرب ومحاولة طمس المعالم بعد الاستعمار بالإشارة لعالم بلا هوية، واعتبر الباحث نزار كحلة أن لغة الرواية جميلة بما يتطلبه النص، فجاءت سهلة وانسيابية بمراعاة الحدث والأفكار والشخصيات المتوازنة التي قاربت الواقع، فالحدث بالرواية ذو أبعاد ثلاثة: أولها عبقرية الكاتب من خلال قدرته على إيصال الأحداث عبر عدة مراحل، وثانيها أن هذا النص يحمل في طياته الرمزية، وثالثها أن الخاتمة قدمت ما يريده الكاتب بأن الوطن والمجتمع الإنساني يستحقان التضحية والاستمرار من أجل البقاء، وبالمختصر فإن الرواية هي نص رائع وجميل بكل أبعاده الفكرية والأدبية.
واختتم المناقشات القبطان المتقاعد إسماعيل خدوج بالتأكيد على أن الكاتب هو ابن التمازج الحضاري بين العربي والأفريقي والأوروبي، فوضحت قدرته الروائية، والولوج إلى أدق التفاصيل من خلال صقلها بثقافة عربية وغربية، حيث نهل من ثقافة العرب بذكر المتنبي وأبي فراس وأشعارهما، والغرب بذكر شكسبير وبيتس وآدابهما، لكنه كان مرتبطاً بجذوره التي أورقت وأزهرت بغربته.