أروغان واستثمار ملف الأويغور للتقارب مع الصين
“البعث الأسبوعية” المحرر السياسي
كثيرة هي الملفات التي قام نظام رجب أردوغان باستثمارها خلال العقد المنصرم لتحقيق مصالحه المختلفة، وفي مقدمتها تمكين بقاء أردوغان نفسه في السلطة، وتحسين وضعه الداخلي بالاعتماد على دعم من الخارج لمعالجة مفاعيل التوتر الداخلية ي المجالات المختلفة، فقد اعتاد أردوغان على مهاجمة جمهورية الصين الشعبية بشكل دائم ومستمر، على خلفية “ما تتعرض له أقلية الأويغور” هناك، وفق زعمه. وكانت هذه المزاعم ذريعة له بالدرجة الأولى لجلب الآلاف من المرتزقة المقاتلين من الأويغور لدعم مشروعه التوسعي العدواني في سورية، ومن ثم جلب عائلاتهم ونسائهم لتوطينهم في سورية، وإحداث تغيير ديموغرافي لصالح المشروع التتريكي في بعض المناطق.
في المرحلة الأولى من هذا الابتزاز، قام أردوغان بابتزاز الصين، وسعى للزج بالأويغور في بعض المدن الجنوبية التركية، لإحداث تغيير منظور في الكتلة الصوتية لصالحه مقابل تقليص شعبية الأحزاب الكردية. لكن حليفه السياسي في الماضي، أحمد داوود أوغلو، استغل ما تعرضت له مجموعة من نساء الأويغور على يد الشرطة التركية من اعتداءات، بداية شباط من العام الحالي، وتحديدا في مدينة قيصرى، ليغرد عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، منتقدا سلوك الشرطة التي “تلقت أوامرها من السلطة السياسية”: “على أساس أنكم كنتم تقولون أنكم صوت المظلوم، وإنكم قوميون، ولكن ها هو وجهكم الحقيقي قد ظهر”.
وأضاف أوغلو في تغريدته: “أي نوع من الضمير هو محاولة كبح الأصوات الصالحة لإخواننا الذين تمردوا على الاضطهاد في تركستان الشرقية، قادة تحالف الجمهور، هذه قيصرى، قلب الأناضول”.
فما هو السبب الذي دفع أردوغان لاتخاذ هذا القرار المتمثل بقمع المتظاهرات، ولماذا انبرى أحمد داوود أوغلو للدفاع عنهم؟
حقيقة، تأتي انتقادات أوغلو، في ظل تواتر تقارير عن نية أردوغان تسليم العديد من الأويغور إلى الصين مقابل صفقات اقتصادية، ومن بينها حصول تركيا على لقاح مضاد فيروس كورونا الصيني. وهذا الافتراض المتمثل في التنازل عن ملف الأويغور، وتسليمهم للصين مقابل لقاح كورونا، نسبية منطقيته جزئية، وبخاصة أن تركيا كانت قد أعلنت عن شرائها اللقاح الصيني، وتعمل على الحصول على اللقاح الألماني أيضا، لذلك هو جزء من سبب كلي يتمثل في الهدف الاقتصادي.
وحيث أن العامل الاقتصادي هو الذي يتحكم بتوجهات أنقرة في طريقة تعاملها مع ملف الأويغور، فالصين عبر شركاتها أساسا استثمرت في البنية التحتية التركية لتطويرها ضمن مشروع بكين العملاق المعروف باسم “الحزام والطريق”؛ ويدرك أردوغان أن تدهور علاقته مع أوروبا والصراع على النفوذ في شرقي المتوسط وملف اللاجئين وإغلاق الأبواب أمام تركيا للدخول في الاتحاد الأوروبي، والتكاليف الباهظة لحروبه التوسعية في سورية وليبيا وآسيا الوسطى، جميعها عوامل قد تغرق الاقتصاد التركي بالمزيد من الأعباء والتي هو بغنى عنها، وسيكون لها آثار وتداعيات اجتماعية وسياسية تصب في صالح المعارضة. لذلك يرى أردوغان أن التقارب مع الصين سيكون وسيلة للاستناد الاقتصادي في حال انسحاب الاستثمارات ورؤوس الأموال الغربية من تركيا.
كما أن أردوغان يتطلع لتوقيع اتفاق استراتيجي مع الصين على غرار الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعتها الجمهورية الإسلامية ي إيران، في أذار الماضي، وهو ما سيساعد تركيا على تحسين واقع اقتصادها المتراجع. وهو ما يؤكد في المقلب الآخر أن إردوغان، بما يمثله من إيديولوجية إخوانية، ليس لديه مبادئ في السياسة، وأخلاقه تنحصر في الحفاظ على بقائه في السلطة والحيلولة دون فقدانها، وهو ما أشارت له صحيفة “تلغراف” البريطانية عندما قالت: “إن أردوغان يصور نفسه على أنه حام للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وتبدو الصورة مغايرة للواقع”.
وبالعموم، هذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن تنازلات تركية بخصوص تسليم الأويغور للصين، فصحيفة “صنداي تلغراف” البريطانية، أشارت في تقرير سابق لها إلى أن رئيس النظام التركي يتعاون بالفعل مع الصين لترحيل الأويغور المتواجدين على أراضي بلاده، عبر دولة ثالثة، واستشهدت الصحيفة بشهود من الأويغور الذين قالوا أنهم يستغربون فعل ذلك بعد أن تم جلبهم مؤخرا، وهو ما يضعنا أمام احتمال خشية أردوغان من انقلاب الأويغور عليه في مرحلة ما، واحتمال انقلابهم لصالح القوى الأخرى في المشهد السياسي التركي، ولاسيما أن الإحصائيات تؤكد وجود أكثر من خمسين ألفا من الأويغور كانوا يسعون للبقاء في تركيا، وقدمت الوعود لهم بمنحهم الجنسية التركية على غرار بعض السوريين.
واللافت أكثر، وبخاصة منذ العام 2018، أن هامش مناورة النظام التركي أصبح أقل من السابق، فالملفات التي اعتاد على توظيفها لتحقيق مصالحه أصبحت عبئا عليه وباتت هي ذات الملفات التي تستثمرها المعارضة التركية.