أقـل مـا يـقـال.. إنها جديرة بالاهتمام.. فلا تضيعوها..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
في وقت لاقت القرارات الأخيرة التي صوّبت بعض مسارات السياسة النقدية ارتياحاً عاماً لدى الأوساط الاقتصادية والإعلامية، ولاسيما انعكاسها الإيجابي على التقارب بين السعرين الرسمي والموازي، فإن الهواجس لا تزال تتملك الشرائح الأوسع لجهة أن هذه القرارات لم تقلل من مستويات التضخم إلى مستوى يتواءم مع القدرة الشرائية للمواطن، رغم أنها بدأت بالحدّ من جماحه بشكل ملحوظ..!
ولا ننكر أن هذه القرارات ساهمت باستقرار سعر الصرف وما يعوّل أن يكون لهذا الاستقرار انعكاساته الإيجابية على الحركة التجارية، إلا أن قيمة سعر الصرف لا تزال مرتفعة جداً بالنسبة لدخول عامة المجتمع، ما يستوجب بالضرورة العمل على تحسين القدرة الشرائية لليرة من جهة، وتحسين مستوى الدخل من جهة ثانية، وذلك من خلال الاشتغال على تفعيل عجلة الإنتاج بما يحقق تأمين الاحتياج المحلي كمرحلة أولى، والسعي كمرحلة ثانية إلى تعزيز واقع الصادرات نظراً لما يشكله من رافعة أساسية للميزان التجاري.
ومع إقرارنا بأن الغلبة في سورية لا تزال للاستيراد رغم محاولات الحكومة لتفعيل النشاط التصديري، تجدر الإشارة إلى أن ثمة بارقة أمل في هذا السياق ومضت مؤخراً من بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، والتي تفيد بارتفاع أرقام الصادرات السورية قيمةً وحجماً خلال السنوات الأخيرة، ويعوّل على أن تكون بداية لرفع سوية منتجاتنا الوطنية لتصبح مقصدا تجاريا عالميا، لاسيما أن بعضها له خصوصية محلية جاذبة لكثير من الأسواق العالمية، مثل المنتجات الزراعية الخام منها والمصنع، وكذلك الحلويات وبعض الصناعات التقليدية كالقمر الدين والكونسروة التي غزت بعض ماركاتها السورية الأسواق العربية والأوروبية وأحيانا الأمريكية، فمن شأن هذه المنتجات فيما لو حازت على الترويج المطلوب أن ترفع قيمة صادراتنا مبدئيا وتطويرها لمستوى موازاتها مع المستوردات لاحقا على أقل تقدير.
وبالعودة إلى ما بدأنا به الحديث، نقول: أمام الحكومة وفريقها الاقتصادي في هذه المرحلة منحى جديد من التعامل مع المستجدات الاقتصادية، ونعتقد أنه من المتوجب – ولاسيما بعد نجاح محاولات استعادة ما تبخر من قيمة الليرة خلال الشهرين الماضيين – الضرب بيد من حديد لكل من يتلاعب أو يضارب بسعر الصرف، أو يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بإعادة تذبذبه..
إذاً.. الحفاظ على استقرار سعر الصرف لابد أن يتصدر أولويات الحكومة كخيار حيوي لا جدال فيه أبداً، يليه في الأولوية الاشتغال الفعلي – وليس التنظيري – على تعزيز الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي؛ وإذا لم تعمل الحكومة على هذين الأمرين لن يكون هناك أي نهوض للاقتصاد الوطني، لا بل إن تقاعسها في هذا الشأن يندرج ضمن سياق الفساد الممنهج بشكل أو بآخر..!
ربما هذه هي فرصة من الاستقرار جديرة بالاهتمام أمام الفريق الاقتصادي لانطلاقة استثمارية طال انتظارها، وعليه أن يستغلها بالإسراع برسم سياسات اقتصادية تكون المشروعات الصغيرة والمتوسطة عمادها الرئيسي، بالتوازي مع العمل على جذب الرأسمال المغترب والأجنبي للاستثمار في سورية. ونأمل أخيراً أن تكون إقالة حاكم مصرف سورية المركزي فاتحة خير لإقالة مسؤولين آخرين ليسوا بالضرورة فاسدين بل قد يكونون غير جديرين بالإدارة..!.