مجلة البعث الأسبوعية

القضية مركّبة وأصحاب المولدات يتذرعون بعدم توفر المازوت الأمبيرات في حلب.. الأجور خيالية والجهات المعنية غائبة و”حماية المستهلك” تكتفي بتنظيم الضبوط

“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري

من جديد تعود الأمبيرات لتتصدر واجهة الأزمات اليومية في حلب، وهو الملف الذي شكل على مدى السنوات الماضية، منذ بدء الحرب الإرهابية وحتى الآن، معضلة حقيقية تؤرق المواطنين، بالنظر إلى حالة الاستغلال والابتزاز التي يمارسها أصحاب المولدات ومشغلوها بحق المشتركين، لناحية عدم التقيد بالتعليمات الصادرة عن مجلس المحافظة، وزيادتهم للأسعار بشكل اعتباطي ومزاجي، وتخفيض عدد ساعات التشغيل إلى أقل من 5 ساعات، إضافة إلى سوء المعاملة والعنجهية والعنترية، والتي باتت السمة الأبرز التي يتصفون ويتميزون بها.

ولعل أكثر ما يبعث على القلق، في هذه القضية الشائكة والمركبة، أنها وعلى الرغم من عدم شرعيتها وعدم قوننتها أصبحت أمراً واقعاً لا مفر منه، وذلك في ظل غياب الحلول الجذرية والنهائية للواقع الكهربائي غير المنتظم وانخفاض التغذية الكهربائية الواردة للمحافظة وزيادة ساعات التقنين خلال الفترة القلية الماضية إلى أكثر من 18 ساعة يومياً داخل المدينة، بالإضافة إلى ما يعانيه ويكابده المواطنون والأهالي في عدد كبير من الأحياء والمناطق التي لم تصلها التغذية الكهربائية حتى الآن، والتي تعيش تحت رحمة أصحاب المولدات الجشعين الذين يستغلون الظروف القاهرة والاستثنائية أبشع استغلال، ويتقاضون أكثر من 10 آلاف ليرة للأمبير الواحد أسبوعياً، وبساعات تشغيل مخفضة إلى أقل من النصف عن المدة المحددة وفق قرار مجلس المحافظة.

 

حلول مؤجلة

كل المعطيات المتوفرة تؤكد أنه لا حلول لهذه المشكلة المزمنة على المدى القريب، وأنها مؤجلة، وقد تطول لسنوات قادمة نتيجة عدم استقرار واقع الشبكة الكهربائية، وكثرة أعطالها، وخروجها عن الخدمة في مواقع عدة بسبب الإرهاب، بالإضافة إلى النقص الكبير في التغذية الكهربائية الواردة إلى المحافظة من المصدر؛ وهو ما أثار جدلاً ونقاشاً واسعين خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء الأخيرة إلى حلب، وأفضى إلى زيادة حصة حلب من التغذية الكهربائية بواقع 50 ميغا واط، شرط ألا ينقص إجمالي التغذية الواردة إلى المدينة عن 230 ميغا واط، ما شكل ارتياحاً لدى الأهالي، واعتبروه خطوة جيدة على طريق تحسين الواقع الكهربائي تدريجياً، من خلال اتخاذ خطوات إضافية، سواء بما يتعلق بالاعتماد على الطاقة البديلة، أو بما يخص مشروع تأهيل المجموعتين الأولى والخامسة في المحطة الحرارية لتوفير التغذية المطلوبة لحلب وريفها.

 

معاناة مريرة

وبإنتظار أن يتحقق هذا “الحلم” – كما يصفه الحلبيون – تبقى مشكلة الأمبيرات قائمة وتزداد تعقيداً، في ضوء غياب الضوابط القانونية وعدم تقيد أصحاب المولدات بالشروط التي وضعتها المحافظة، وخاصة بما يتعلق بالتسعيرة ومدة التشغيل.

وفي هذا الإطار، يشير السيد أبو طلال، نيابة عن جيرانه في حي حلب الجديدة، إلى أن ساعات التقنين الكهربائي وصلت في الآونة الأخيرة الى 18 ساعة قطع، مقابل ساعة وصل؛ وبعد زيارة الحكومة إلى حلب تحسن الوضع نسبياً، إلا أن الحال مع الأمبيرات لم يتبدل لجهة الجشع والاستغلال والتعامل غير اللائق من قبل أصحابها، وعلى قول المثل – يتابع حديثه – “قال مين جبرك على المر إلا الأمر منه؟!”.

أبو سليم، في الحي المجاور، أشار إلى أنه يدفع أسبوعياً مبلغ 18 ألف ليرة، أي 72 ألف ليرة شهرياً، وهو راتب موظف من فئة الدرجة الأولى. يضيف أبو سليم: خياراتنا معدومة، بل ولا نستطيع أن نشتكي على صاحب المولدة خشية من أن نتسبب بقطع هذه الوسيلة الوحيدة عن باقي الأهالي!!

أهالي باقي الأحياء، وتحديداً في الجهة الشرقية من حلب، لم تصلهم الشبكة حتى الآن، وهم يعيشون تحت رحمة أصحاب المولدات الذين يستغلونهم أبشع استغلال، وهو ما يؤكده العم أبو محمود الذي طالب مجلس المحافظة و”حماية المستهلك” بالتدخل ووضع حد لهذا التمادي غير المقبول من قبل اصحاب المولدات، مضيفاً: نحن نقدر أن الظروف صعبة على الجميع، ولكن من غير المقبول أن يستغل البعض هذه الظروف على حساب معيشة وقوت المواطن.

العم أبو صالح، من حي الشعار، أشار إلى أنه وعلى الرغم من معاناته اليومية لا يجرؤ على تقديم أي شكوى خشية من يتعرض إلى الإهانة من قبل صاحب المولدة، تاركاً الموضوع إلى الجهات الرقابية المطالبة بتشديد الرقابة وإلزام أصحاب المولدات بالتسعيرة المحددة وبعدد ساعات التشغيل وبتعويض الفاقد.

 

مبررات مكررة

أصحاب المولدات في حلب – والتي يزيد عددها عن ألف مولدة – أوضحوا، بدورهم، أن عدم تقيدهم بالتسعيرة مرده عدم حصولهم على مخصصاتهم من مادة المازوت المدعوم بشكل منتظم، واضطرارهم إلى شراء المادة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة تجاوزت الـ 3 آلاف ليرة لليتر الواحد، عدا عن الكلفة المتزايدة لعملية الصيانة والإصلاح وأسعار القطع التبديلية، وغيرها من الأمور المتعلقة بألية استجرار الكهرباء من المولدة.. كل ذلك دفعنا إلى تقاضي أجور زائدة عن التسعيرة المعتمدة لتتناسب مع حجم نفقاتنا جراء التشغيل.

وطالب أصحاب المولدات الجهات المعنية بإعادة النظر بالتسعيرة المعتمدة وفق الواقع الراهن لإنصافهم وتحقيق العدالة للمواطنين.

 

عشرات الضبوط

مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، المهندس أحمد سنكري، جدد القول بأن “دور حماية المستهلك ينحصر بتنظيم الضبوط بحق المخالفين، وخلال هذه الفترة تم تنظيم حوالي 100 ضبط بحق أصحاب المولدات، وألغيت تراخيصهم لتقاضيهم أجوراً زائدة”، مبيناً أن “هذه القضية يجب أن يعاد النظر فيها من خلال وضع آلية جديدة تحقق العدالة للطرفين”، مشيراً إلى أن “قانون حماية المستهلك الجديد تشدد في فرض العقوبات، ما يسمح بضبط هذه المسألة وتنظيمها مؤقتاً، وكحل إسعافي، بصورة جيدة”.

من جانبه، أوضح مدير الأملاك في مجلس المدينة، المهندس رياض اللافي، أنه يتم التعاون والتنسيق مع “حماية المستهلك” بعد تنظيم الضبوط، حيث “نقوم بتوجيه إنذارات مسجلة لأصحاب المولدات المخالفة، ويتم إعطاؤهم مهلة 48 ساعة لإزالة الأشغال، ويتم استبدال هذه المولدات بمولدات جديدة من خلال الطلبات المقدمة سابقاً، واستقبال طلبات جديدة لمنح تراخيص جديدة لأشخاص آخرين”.

 

أمر واقع.. ولكن !!

لا شك أن الأمبيرات أمر واقع فرضته ظروف الحرب الإرهابية كحل مؤقت، ولكن الثابت في هذه القضية الشائكة هو عجز الجهات التنفيذية في المحافظة عن ضبطها وتنظيمها.

ومع مرور سنوات على هذه المشكلة، بمجمل ما حملته من سلبيات وإيجابيات – إن صح التعبير – لا بد أن تكون الجهات المعنية في حلب قد كونت رؤية واضحة وشفافة لتنظيم هذا الملف، إلا أن الواضح أن المشكلة في اتساع، بحيث باتت عصية على الحل، وما زالت تحصد مدخرات المواطنين أسبوعياً.

وهنا، لا بد من التأكيد على ضرورة التعاطي مع هذا الملف بواقعية، ودراسته بصورة مستفيضة، واتخاذ القرارات المناسبة لحسم الجدل القائم، وإنصاف المواطنين وأصحاب المولدات على السواء.

وقد يتطلب الأمر إجراء مسح لمولدات الأمبيرات وتحديد عائديتها وبيان ملكيتها، وإجراء كشف فني لتحديد قدرة المولدة وموافقتها للشروط البيئية من دخان وضجيج، وفحص مخرجاتها، وإلزام أصحاب المولدات بوضع اللوحات المذكورة بتعميم المحافظ والمتضمنة اسم المالك وسعر الأمبير وعدد ساعات التشغيل ورقم الترخيص ورقم شكايات التموين، ومنح أصحاب المولدات مادة المازوت من مديرية المحروقات حصراً، وبسعر وسطي بين المنزلي والحر، وإلغاء الترخيص في حال عدم التزام صاحب المولدة باستجرار المازوت من مديرية المحروقات، وتكثيف الرقابة على عمل المولدات ووضع عقوبات رادعة للمخالفات، وخاصة المتعلقة بالسعر وساعات التشغيل، بالإضافة إلى تكليف الشعب الحزبية وأعضاء مجالس الأحياء ومجلس المحافظة ومجلس المدينة بالإشراف والمراقبة والمتابعة والتدقيق على تنفيذ ما تصدره المحافظة من تعليمات بهذا الشأن.