مجلة البعث الأسبوعية

رامز حاج حسين يحتفل بالعيد ال((24)) لميلاد “أبو حمدو” و”عجاج”

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

عند الدخول من باب مبنى مجلة “أسامة” ترى شخصية مصنوعة من الستريوبور جذابة وطفولية بلباسه الأصفر وقبعته الحمراء وشاربه الأسود وابتسامته العريضة، يستقبل كل من جاء لزيارة هذا المكان سواء من الأطفال أو الكبار، ويقف الجميع فرحين إلى جانبه لالتقاط الصور والاحتفاظ بها كتذكار لطيف، وبجانبه يجلس صاحب “أبو حمدو”، الفنان رامز حاج حسين، والسعادة تملؤه بهذا الإنجاز العظيم الذي حقق الهدف فيه والمراد منه.

في نيسان، شهر الربيع، أكمل “أبو حمدو” عامه الرابع والعشرين؛ ومن عاصره منذ بدايته في المجلة، عام 1997، حين بدأ دخول عالم القصص المصورة، وحتى بعد أن أتم رامز معه مرحلته الجامعية، وانطلق في سوق العمل، حقق الكثير في داخل الفنان بشخصيته الأميز والأحب إلى قلبه.

عن مراحل هذه الشخصية بين ولادتها ووصولها لهذا اليوم، كان هذا الحوار مع الفنان رامز حاج حسين.

 

يقظة وتنبه دائم

عاماً تلو العام، وفي نيسان بالتحديد، تمر ذكرى ولادة شخصية “أبو حمدو”. يقول الفنان حاج حسين: في البدايات، لم يكن الأمر أكثر من فرحة عابرة ونشوة صغيرة من فرح بأني صممت هذه الشخصية، وكانت بطاقة ولوجي عالم الطفولة السورية من أعرق أبوابها: مجلة “أسامة”، ولكن مع تقادم الزمن، وتجاوز عتبة الـ 20 عاماً، بدأت أستشعر خطر احتراق المراحل؛ ورغم ذلك استمريت في الحفاظ على نجاح هذه الشخصية وبطولتها وتعلق الأطفال فيها وبرسمها ومغامراتها، وبدأ الموضوع يشكل هاجساً من البحث المضني والتعب الدؤوب عن كل جديد ومقنع، خصوصاً أن الأجيال المتعاقبة ولغاتها ومفرداتها تختلف كل بضع سنوات، فيصبح لزاماً أن تنخرط الشخصية بقالب جديد وصبغة جديدة، وهذا يحتاج ليقظة وتنبه دائمين.

 

ولادة “أبو حمدو”

وعن كيفية ولادة فكرة شخصية “أبو حمدو” ومدلولاتها من حيث الشكل والمضامين، قال الفنان رامز:

كان التحدي الذي وضعني به معلمي في “كار” الطفولة، الفنان سرور علواني، هو إيجاد شخصية خاصة، بل وبالغة الخصوصية بصبغة محلية.. كان ذلك في معرض تقييمه لبعض رسومي المقتبسة من مدارس عالمية كالمانغا اليابانية وغيرها، فوجد اسكتشاً بسيطاً لفلاح بشوارب كثيفة وثوب فضفاض، فقال لي: من هنا نبدأ، فأردت لشخصيتي أن تكون مغرقة في المحلية، والاسم “كنية” كما هو مشهور في الريف الشمالي من سورية، فكان الاسم “أبو حمدو”، واللباس ثوب أصفر مع رقع بيضاء وطاقية حمراء داكنة وحذاء تقليدي من جلد أسود، ولرفيقه اسم “عجاج” مع طاقية من صوف فوق قماشة بيضاء وصدرية مع قميص أخضر وزنار أزرق تقليدي وشروال، وكل هذه المفردات البصرية موجودة في الريف السوري الجميل، وأنا استقي فقط تحويرات نمطية من تلك الملابس؛ أما بخصوص الشنب الكثيف المميز للشخصية فهو نوع من الكوميديا المبنية على المفارقة، حيث يتم التندر دائماً بأن معيار الرجولة والشجاعة والفتوة هو كبر حجم الشنب.

 

جسر الوصل

في هذا الـ “نيسان”، نحن نتحدث عن 24 عاماً على ولادة “أبو حمدو”.. عن الإقناع واستمرار نجاح هذه الشخصية وتعلق الأطفال بها رغم كل هذه السنوات، تحدث رامز حاج حسين:

أهم مقومات نجاح كاركتر ما هو استمرار نبضه بالطفولة، أي أن نستطيع خلق بيئة معرفية وطرائف وكلمات تغذي هذه الشخصية.. في بعض الأحيان، يكون غباء عجاج هو البطل وهو المتصدر للمشهد لخلق المفارقة، وأحياناً ذاك الحوار المتناقض بينهما، وأحيانا التصرف.. وهكذا، وبذلك مجموعة المعطيات المتحورة بحسب الحاجة الدرامية تكون هي سيدة المشهد. أنا أتابع مع “أبو حمدو” نبض محيطي من الأطفال، وأنا شخصياً أعتبر أني في ورشة عمل مفتوحة معهم أستقبل طرائفهم وتعليقاتهم، وأهم الأحداث في محيطهم، لأبني جسر وصل بينهم وبيني عبر شخصية “أبو حمدو”.

 

“أبو حمدو” وكورونا

كمثال حول هذه النقطة، يقول رامز حاج حسين:

يحضرني مثلاً العديد من الأمثلة المتعلقة بالواقع واستنباط الحدث منه.. مثلاً، مرة جعلت “أبو حمدو” و”عجاج” بطلي مغامرة توعوية عن مخاطر كورونا؛ وحين يأتي عيد أو مناسبة أو فصل من فصول الطبيعة نجد “أبو حمدو” يقارب مع “عجاج” الحدث بطريقتهما الكوميدية. والحقيقة، الطفل بحاجة لأن يجد مفرداته الحياتية داخل العمل الأدبي والفني المقدم له، و”أبو حمدو” يحافظ على هذه الثيمة الدرامية في كل الحلقات.

 

طموح ونجاح

نجاح هذه الشخصية عزوته لارتباطها بالطفولة ولخصوصيتها البصرية المستمدة من ملامح محلية سورية، لكن ماذا عن المرجو الذي يأمله رامز حاج حسين من شخصية “أبو حمدو” وهل حقق فيها ما يطمح إليه؟

يجيب:

لكل فنان يعمل في مجال خلق الشخصيات الكرتونية طموح يحولها إلى أيقونة في ثقافة وضمير الأطفال؛ وقد تحقق لي جزء كبير من هذا، ولمسته بشكل خاص مرات عديدة، واحدة منها كان طلب الكاتبة رباب هلال، وكانت رئيسة تحرير مجلة “أسامة” حينها، التعرف إلى صاحب شخصية “أبو حمدو” التي كانت تصلها رسائل كثيرة تطالب بعودته لصفحات المجلة؛ ونجاح هذه الشخصية كان قد ترك أثره في وجدان الأطفال ليطالبوا بعودة مغامراته مرة ثانية، وهذا دليل نجاح مخطط له منها؛ ومرة ثانية كان بناء مغامرات جديدة للشخصية عبر جلسات عصف ذهني مع رئيسة تحرير المجلة، ريم محمود، فقد طالبت بضرورة وجود شخصيات راكور للمجلة ليتم توطيد علاقتها بالأطفال؛ وفي السنوات الخمس الأخيرة كانت أميز المغامرات تلك التي ذهب فيها “أبو حمدو” و”عجاج” لنسف الحكايات العالمية المشهورة، والعبث بماهيتها، لخلق المفارقة والضحك، وكانت هذه الخطوة مشتركة مع رئيس التحرير، صديقي الشاعر قحطان بيرقدار، وكم من مرة حملت تلك المغامرات مواقف حياتية معاشة بيننا وبين الأطفال أنفسهم زاروا المجلة.

 

أيقونة

.. وعن الهدف التالي للشخصية يختم رامز حديثه بالقول:

هناك الكثير من الأفكار والمشاريع المبيتة في الأدراج، ومنها تحول “أبو حمدو” لفكرة صناعة نجم في عالم الطفولة السورية وثقافتها، أيقونة لأعمال تلفزيونية وتطبيقات للهواتف الذكية ومطبوعات متنوعة وكتب تعليمية، أسوة بالشخصيات العالمية المشهورة حين يؤمن صناع الثقافة أن هذه الشخصية وشبيهاتها مما يبدعه الفنانون السوريون هي نواة صناعة حقيقية تشكل رافعاً إبداعياً للثقافة الأم..

كل عام ورامز و”أبو حمدو” و”عجاج” نابضون بحب الطفولة السورية.