مجلة البعث الأسبوعية

الفروسية حالة إيجابية فريدة في رياضتنا.. رياضة الآباء والأجداد مزدهرة وأنموذج للعمل الجاد والمخلص

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

اليوم سنسبح عكس التيار، ونأتي على ذكر حالة إيجابية في رياضتنا، ولربما تكون الوحيدة والفريدة فيها.. رياضة الفروسية هي الرياضة العربية الأصيلة، بعكس الرياضات الأخرى المستوردة والتي لم نفلح فيها، لا قديماً ولا حديثاً، باستثناء بعض الطفرات هنا وهناك، ودوماً في العرف العام الطفرة ليست بقاعدة.

والحديث عن رياضة الفروسية ذو شقين:

الأول الذي يهتم بقفز الحواجز وما فيه من رياضات أخرى، ويشرف عليها اتحاد الفروسية وتلقى كل دعم واهتمام ومتابعة من الرئيسة الفخرية للاتحاد العربي السوري للفروسية، الفارسة منال الأسد، التي وضعت شعاراً ثابتاً عنوانه “الفروسية السورية مستمرة”؛ وقد بقيت هذه الرياضة متألقة ومتوهجة طوال السنوات السابقة، ورغم الحرب الكونية على بلادنا إلا أن النجاح الكبير فيها خففّ من التأثيرات الكبيرة على مسيرتها، فظلت مستمرة ومتوهجة في نشاطاتها الداخلية ومشاركاتها الخارجية؛ ولم تتوهج إلا عبر الاهتمام الجدي والعلمي بالقواعد التي أزهرت في هذه الأيام، ورفدت المنتخبات الوطنية بالكثير من المواهب الواعدة والخامات المبدعة.

أما الشق الثاني، وهو محور حديثنا اليوم، فهو سباقات السرعة التي تنظمها الجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة، وقد أثبتت هذه الجمعية إصرارها الكامل على الوجود من خلال التحدي الكامل لكل الظروف والإمكانيات، فأقلعت من جديد قبل سنوات لتعود إلى مكانتها في القمة محافظة على إرث كبير من الأصالة العربية التي يعتبر غيابها جريمة كاملة بحق تاريخنا المجيد وحضارتنا الغابرة.

 

العودة المتألقة

رياضة الخيول العربية رياضة أصيلة تشارك بها الخيول العربية السورية الأصيلة ذات الدم النقي الصافي، وهذا الخط من الخيول له شهرة عالمية لأنه حافظ على نقاء دمه الصافي، وهو يحظى باهتمام عالمي كبير لأن الجزيرة السورية هي منشأ الخيول العربية الأصيلة، لذلك فإن خيولنا مطلوبة دائماً خارجياً لعراقتها ونقائها؛ والجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة يرأس مجلس إدارتها منذ تأسيسها باسل جدعان، وهو الآن الرئيس الفخري للجمعية، وعضو في العديد من اللجان العليا في المنظمات العالمية للخيول العربية الأصيلة، وحكم دولي معتمد في مسابقات جمال الخيول العربية وخبير له اسمه العالمي.

وننوه إلى أن الجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة عضو في “الواهو”، وغيرها من المنظمات الدولية المعنية بشؤون الخيول، وسبق لها أن نظمت المؤتمر الدولي لـ “الواهو” في سورية، قبل أكثر من عشر سنوات، وحازت على الثناء والتقدير من كل المنظمات الدولية وخبراء الخيول العالميين على حسن التنظيم والضيافة، كما أبدى المشاركون إعجابهم بالعديد من الإسطبلات والخيول السورية.

 

الترابط والتكاتف

يرأس مجلس إدارة الجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة في دورتها الحالية بلال اكريم، ونائبه الدكتور طارق عبد الرحيم، وتضم خيرة خبراء الخيول العربية الأصيلة، ومنهم محمد الرخلاني وهشام غريّب ونصار كحول وزهير داوود، وآخرون، ومدير الجمعية المهندس محمد الوادي.

والجمعية ليس لها موارد مالية أو استثمارات تستطيع من خلالها تطوير هذه الرياضة العربية الأصيلة، وتحقيق كل الأفكار التطويرية والمناهج العلمية، لكن ما يعوض كل ذلك هو التصميم والإرادة على نشر هذه الرياضة على أوسع نقاط وجعلها حاضرة وجاهزة ومستمرة. ومن هنا نلمس التعاون المطلق بين أعضائها في سبيل تحقيق الهدف السامي التي من أجلها أنشئت.

والتاريخ يشهد أن الجمعية خاضت حروباً ضارية من أجل الوجود وتحقيق الذات لأهداف سامية، فالجمعية ليست ربحية وأعضاؤها يتحملون التكاليف في سبيل رفعة شأن الحصان العربي السوري الأصيل، وإذا كانت الحرب الكونية على سورية قد طالت بيد إجرامها العديد من المواقع الرياضية والأندية والملاعب والصالات، فدمرت بعضها وخرّبت بعضها الآخر، إلا أن رياضة الفروسية كانت الأكثر تضرراً، وقد طالت الخيول العربية الأصيلة بالذات، فبعضها نفق في هذه الحرب الآثمة، وبعضها الآخر سُرق، وبعضها تم تهريبه خارج البلاد، فالثروة الكبيرة التي جنتها سورية من هذه الخيول العربية خسرت معظمها ولم يبق إلا القليل.

وقد حرصت الجمعية السورية على الحفاظ على هذا القليل من الخيول، كما كان حرص العديد من المربين كبيراً على ما تبقى من خيولهم، والحرص أيضاً كان ببقاء هذه الخيول نظيفة دون أن تشوبها شائبة، لتكون القاعدة الرئيسية التي يبنى عليها جيل جديد من الخيول حفاظاً على سلالات الخيول السورية الأصيلة وعلى الدم النقي الصافي، وهو عمل إعجازي كبير ونبيل لا يقارن بغيره من الأعمال الأخرى.

وعلينا هنا أن نذكر الجهود الكبيرة التي يبذلها السادة المربون في الحفاظ على خيولهم واستمرار السلالات العربية السورية الأصيلة، من خلال العناية الخاصة بالخيول وتأمين كل متطلبات الإنتاج، مع تحمل كل المشاق والصعوبات وخصوصاً التكاليف الباهظة في التربية وما يتطلبها الخيل من عناية غذائية وطبية، لدرجة أن بعض المربين يفضلون خيولهم على أنفسهم في الإنفاق والرعاية، وهي من العادات العربية بالتعامل مع الخيل العربية الأصيل.

والحديث عن هذا الأمر طويل، كالحديث عن صفات ومواصفات الخيل العربية المعروفة بوفائها ونبلها وشجاعتها وذكائها، لذلك قال بعض الخبراء: إن الخيل أقرب للإنسان، ولا يختلف عنه إلا بالنطق.

 

التعاون الوثيق

منذ ولادتها، فتحت الجمعية آفاق التعاون الإيجابي مع المؤسسات الحكومية والرياضية التي تعتني بهذا المجال من أجل مصلحة الخيول العربية الأصيلة، ومن أجل تحقيق أهداف الجمعية في رعاية الجواد العربي السوري الأصيل والحفاظ عليه. وهذا التعاون فتح نوعاً جديداً من الشراكة الاستراتيجية مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، عبر مديرية مكتب الخيول العربية الأصيلة، ومع منظمة الاتحاد الرياضي العام، ومع كل الهيئات الرياضية (الجيش – الشرطة – محافظة دمشق).

وهذا التعاون الإيجابي منح السباقات والبطولات النجاح المنتظر من خلال المشاركة في الكثير من لجان السباق وتقديم بعض الإمكانيات الضرورية لتفعيل النشاط الرياضي. وكلنا نذكر قبل سنتين – على سبيل المثال – التعاون المثمر مع نادي محافظة دمشق لتنظيم مهرجان كبير في أعياد الجلاء “مهرجان الجواد العربي” تضمن نشاطات متنوعة، منها سباق السرعة، ومسيرة الشام الكبرى، ومعرضاً، ومزاداً للخيول، وغيرها من النشاطات المهمة التي استمرت لخمسة أيام، وكانت بمنزلة عودة الروح إلى نشاطات الخيول العربية الأصيلة.

وفي ذات الوقت، لا بد من الإشارة إلى مشاركات فرسان الشرطة في السباقات من باب الدعم والاهتمام، ففروسية الشرطة تساهم بجزء مهم في هذه الرياضة العربية الأصيلة؛ والحديث عن نادي الجيش يحتاج إلى الكثير لما يقدمه هذا النادي من دعم للنشاطات كبير جداً، وهو يستقبل بطولات جمال الخيول العربية – وذلك أحد أنواع الدعم – كما أن التعاون مع منظمة الاتحاد الرياضي العام كبير، ونتائج هذا التعاون واضحة من خلال سباق حماة.

 

أبواب الاهتمام

الجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة لا تدع باباً إلا وتطرقه في سبيل الوصول إلى دعم، من هنا وهناك، يعود بالنفع على الخيول العربية الأصيلة؛ وسبق أن زارت العديد من الوزارات من أجل التعاون بما يحقق الأهداف المشتركة التي تعود على البلد بالفائدة الكاملة.

وعلينا هنا أن نذكر أن رياضة الخيول العربية الأصيلة تدعم بشكل مباشر العديد من القطاعات الخدمية، وهي تساهم بتشغيل العديد من العمالة الوطنية، ولها آفاق واسعة سياحية واجتماعية وصناعية وتجارية وتسويقية.

ومن خلال عمليات الإنتاج والبيع والشراء، سواء الداخلي أو الخارجي، فإن رياضة الخيول العربية تشكل أهمية في الناتج القومي للكثير من البلدان العالمية، كإنكلترا وفرنسا وأمريكا، وكذلك دول الخليج العربي؛ ومع عودة الأمن والاستقرار إلى بلادنا وتحقيق الازدهار، ستشكل هذه الرياضة رافداً مهماً في الخزينة، وقد تصبح يوماً ما أحد نواتج الدخل المهم والرئيسي.

وعلى صعيد آخر، فإن الجمعية السورية للخيول العربية السورية الأصيلة لا تدخر جهداً في استقطاب كل المزارع والإسطبلات في كل المحافظات السورية من أجل توسيع القاعدة أولاً، ولتعزيز التعاون مع كل مزارع الخيل وإسطبلاتها وصولاً إلى أهداف أكثر إيجابية في التربية والرعاية والإنتاج، ومؤخراً قامت الجمعية بزيارة إلى السويداء من أجل هذه الغاية، وقد حققت الزيارة كل أهدافها.

وعلينا أن نذكر أن سياسة الجمعية في التعامل مع جميع المربين ومزارع الخيل واحدة، وهي على مسافة واحدة من الجميع والكل له اهتمامه الكامل وحقه المصان والمحفوظ؛ وخارج النشاطات الرياضية كانت الجمعية تقيم دورات عديدة لكوادرها بكل الاختصاصات، وما زالت هذه الدورات قائمة، لما لها من أهمية خاصة في تأهيل كوادر السباقات وبطولات الجمال والقدرة والتحمل.

 

موسم كبير

قبل أسبوعين من الآن، انطلق الموسم الجديد للجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة بسباق دمشق، على مضمار ميدان سباق دمشق في الديماس، بمشاركة ستين جواداً تنافسوا على سبعة أشواط، وكان السباق جيداً وناجحاً وحظي بحضور مسؤول وجماهيري كبير وتغطية إعلامية متميزة بنقل السباق على قناة دراما الفضائية السورية.

وبرنامج هذا الموسم وافر وجيد، ويتضمن أحد عشر سباقاً موزعين على ميدان سباقات دمشق وحماة واللاذقية، وسيكون افتتاح سباق اللاذقية في الرابع من حزيران، وهناك بطولة جمال الخيول العربية الأصيلة، وغيرها من النشاطات الأخرى.