لماذا يشيطنون روسيا؟
طلال ياسر الزعبي
فوجئ العالم بالهجمة الشرسة التي شنّتها دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” مؤخراً على روسيا، حيث بدت هذه الهجمة منظّمة لحصارها دبلوماسياً، من خلال قيام بعض الدول الغربية بطرد دبلوماسيين روس من أراضيها أسوة بحليفهم الأطلسي الولايات المتحدة، ودون سابق إنذار وضعت هذه الدول نفسها في مواجهة مباشرة مع موسكو، حيث قامت كل من تشيكيا وبولندا وإيطاليا ودول بحر البلطيق بطرد دبلوماسيين روس من أراضيها، في الوقت الذي أعلن فيه الكرملين عن حزمة إجراءات للرد بالمثل على هذا الهجوم.
وقد سعت واشنطن وحلفاؤها من خلال هذه الإجراءات إلى تسخين جبهة أوكرانيا من خلال تحريضها مجدّداً على استفزاز روسيا وحشد قوات من الحلف قرب القرم العائدة إلى روسيا مؤخراً، الأمر الذي بعث برسالة إلى موسكو بأن هناك من يحاول استفزازها على حدودها الغربية والجنوبية.
الروس كعادتهم حذّروا “ناتو” من مغبة استفزازهم عسكرياً في هذه المنطقة، مؤكدين أن ذلك يمكن أن يعرّض الأمن الأوروبي برمّته إلى الخطر، وأن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي لا ينبغي لها أن تتحدّث باسم الاتحاد فيما يخص علاقته مع روسيا، وبالتالي فإن هناك سبباً آخر وراء هذا التحريض على روسيا.
وواضح منذ البداية أن هذا الضغط ازداد على روسيا منذ الإعلان عن مشروع السيل الكبير الذي سيغذي أوروبا بالغاز بعد صعوبة تسويق الغاز الروسي عبر أوكرانيا الغارقة بالفوضى إثر تدخل الناتو بالانقلاب على الشرعية فيها من خلال ما تسمّى الثورة البرتقالية.
إذن هناك من يحاول بشتى الوسائل دقّ إسفين في العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وذلك لإضعاف هذا الاتحاد وإحلال حلف الناتو محله تدريجياً، وقد بدئ بذلك فعلياً بتحريض بريطانيا على الخروج من هذا الاتحاد لإضعافه، ثم إعادة فرض سياسات الحلف عليه، من خلال تحكّم واشنطن بهذا الحلف بسبب مساهمتها الكبرى في موازنته، وبالتالي ليس غريباً أن تتحدث الخارجية الروسية عن محاولة فرض بريطانيا سياساتها على الاتحاد حتى بعد خروجها منه.
فبريطانيا بعد بريكست أعيد وضعها مرة أخرى تحت المظلة الأمريكية وأصبحت ممثلاً رسمياً لواشنطن في أوروبا، وهناك بالفعل من يحاول أن يسوّق بريطانيا حليفاً لهذا الاتحاد من داخل أوروبا ويخيّر الاتحاد بين علاقة مع روسيا وعلاقة مع بريطانيا، وهذا الأمر تنبّهت له كل من ألمانيا وفرنسا مؤخراً، ولكن سيطرة حلف الناتو الذي تقوده واشنطن على قرار الدولتين تمنعهما دائماً من التقارب مع روسيا، لكي تبقى سياسات هذا الاتحاد مرهونة بقرارات البيت الأبيض، وبالتالي استمرار تبعية دول الاتحاد لواشنطن اقتصادياً، ومنع دول الاتحاد من الشراكة الاقتصادية مع روسيا بأي شكل من الأشكال، وخاصة فيما يخص موارد الطاقة.
باختصار.. الأمر كما ألمحت الدبلوماسية الروسية غير مرة، هو أن الغرب يريد من روسيا أوراقاً معينة في مكان ما من العالم، ويعتقد أن باستطاعته الضغط في أوكرانيا ليحصل على هذه الأوراق، وقد أكد الساسة الروس أن بلادهم لا يمكن أن تخضع لابتزاز الغرب.