الرواية مرآة للرغبات والمخاوف
دائماً يُطرح تساؤل: هل من المفيد قراءة القصص الخيالية أو الروايات؟! أو سؤال: ما الذي يجعل الرواية أكثر من الترفيه؟ أو لماذا إضاعة الوقت في قراءة الروايات التي يكون الغرض منها في أحسن الأحوال هو التسلية فقط؟ فهناك الكثير لنتعلّمه من التاريخ، أو مما يجري على حدود العلم، أو من الدراسات المعاصرة للسلوك البشري.
طبعاً لا يعلم الذين يتساءلون عن مدى أهمية قراءة الروايات أن من يحبون هذا النوع من الكتب يشعرون بالانزعاج من هذه التعليقات، فيرد البعض بأنهم لا يجدون المتعة في قراءة الروايات فقط، بل هنا يمكن تعلّم الكثير عن أفضل السبل لعيش الحياة بطرق لا يمكن إلا أن يلتقطها الخيال، ومن الخطأ ترك الخيال في الغبار، فهو يحتوي في أغلب الأحيان على حكمة للعيش لا يمكن التقاطها بأية طريقة أخرى، وهو جوهرة منسية، بئر غير مستغلة من المعرفة والمعلومات. وللإجابة عن كل التساؤلات التي تقلل من قدر الرواية أحياناً وكأنها أدنى مرتبة من باقي العلوم، نقدم قراءة في مقال يطرح عدداً من الإجابات أو الفوائد لقراءة هذا النوع من الأدب منها:
فهم وجهات نظر الآخرين
يقول البعض بأن الخيال يمتلك قوة لا يمتلكها أي شكل آخر من أشكال التواصل كالقدرة على إدخال القارىء بشكل كامل في عقل شخص آخر، إنه خليط بين عقل القارىء والكاتب، وعقل القارىء والشخصية، فعندما تقرأ الروايات ترى العالم من خلال عيون الشخصية، مثلاً لو وقفنا عند دراسة التاريخ، من المؤكد أنه سيعطي سلسلة من الحقائق والحكايات، ولكن في أغلب الأحيان تكون جافة، ولكن لو تصفّحنا الروايات التاريخية فهي ستضع القارىء في قلب الفترة الزمنية، وتتيح له لمس وتذوق العالم من حوله، والتفاعل مع المعاصرين وحل المشكلات، ويمتد الخيال الجيد إلى أعماق عوالم علم النفس والفلسفة، يستكشف ويسمح بفهم وجهات نظر لم ترها من قبل، نفسية وجسدية.
عند قراءة الروايات تكون لدى القارىء الفرصة كي يصبح بعمر آخر، أو شخصاً من جنسية أخرى، يمكنه أن يكون مستكشفاً أو عالماً أو فناناً أو أماً شابة أو صبياً يتيماً أو جندياً.
عمق الخيال فهمك للتطور
كل شيء يتطور، الأفراد يتطورون، النماذج، الثقافات، التكنولوجيا، وعند دراسة التاريخ نلاحظ تطور الحضارة، كل القصص لها أقواس سردية، بداية ووسط ونهاية، يمثّل هذا القوس تطوراً، سواء كان ذلك في شخصية أو سلسلة من الأحداث، وظاهرة التطور مهمة على مستويات متعددة، فتعتبر مشاهدة التطور الذي يحدث في الرواية أمراً ذا قيمة، على مستوى الفرد، وتساعدنا مشاهدة الشخصيات وهي تتطور على فهم التطور البشري الفردي، وعلى مستوى أوسع، يسمح لنا الخيال برؤية تطور الأحداث والروايات والمسارات وحتى المجتمعات.
منظور مختلف تماماً
تسلّط الرواية الضوء على الأشياء المهمة، تضعها جنباً إلى جنب مع بعضها البعض، تشرحها بالتفصيل، وترسمها بوضوح، وبالتالي تتاح للقارىء ملاحظة التطور الذي قد يستغرق سنوات كبناء علاقة، وبدء الحرب، وتدهور الشاب القوي إلى شاب ضعيف في غضون ساعات، يجعل العالم أكثر وضوحاً لرؤية كل ذلك مرة واحدة، مثل التحليق عالياً فوق الأشجار لرؤية الغابة، أو النظر إلى العالم عبر خريطة، بالإضافة إلى أنك تستطيع أن تنظر إلى العالم من خلال عيون شخص آخر، صحيح أنه يمكن القول إن هذا ينطبق على كل الكتابة، وستكون هذه الحجة صحيحة، لكن الخيال يفعل شيئاً فريداً لا تستطيع جميع الأشكال الأخرى القيام به، فندخل في عوالمه ونرى عالماً محدداً بمصطلحاتهم، استعاراتهم، سياق أحداثهم، منظورهم للأحداث والعلاقات.
الخيال يجعل حياتنا غنية
يتعامل الأدب مع الأشياء التي تجعلنا بشراً بشكل أساسي: “صراع، عاطفة، حب، خوف، كراهية”، الأشياء التي نتوق إليها، الأشياء التي تحركنا أكثر، يجعلنا الخيال “نشعر”، وهذا الشعور يجعلنا أكثر ثراء.
ليست كل الروايات ذات قيمة، فهناك الكتابة الرديئة، الحبكات السطحية، والدراما التافهة، وليست كل الكتب الواقعية ذات قيمة أيضاً، وبغض النظر فإن للخيال إمكانات لا نهاية لها لتحقيق قيمة لحياتك.
في النهاية هناك أسباب وغايات متعددة لتجعل قراء مختلفين ينحازون نحو هذا النوع من الكتب، فالروايات تمتلك مرآة لرغباتنا ومخاوفنا السرية، وتسمح بمواجهة أزماتنا طويلة الأمد، وتساعد على فهم كيفية ارتباط المشاكل الكبيرة والمعقدة في عصرنا بحياتنا الداخلية الخاصة، وتخلق الروايات العظيمة تجارب خالصة تؤثر على عواطفنا وخيالاتنا وفكرنا بطرق غامضة في الغالب.
علا أحمد