واشنطن بين الانسحاب والأفيون الأفغاني
سمر سامي السمارة
حصلت شركة داين كورب العسكرية الخاصة- وهي إحدى الشركات الأمريكية المقاولة التي ستبقى في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي- منذ عام 2019 على أكثر من 7 مليارات دولار من التعاقدات الحكومية لتدريب الجيش الأفغاني وإدارة القواعد العسكرية في أفغانستان، وكانت إحدى المهام المعلنة للشركة والمرتزقة الأمريكيين الآخرين في أفغانستان هي “الإشراف” على تدمير حقول “الخشخاش” الأفغانية التي توفّر ما يقدر بنحو 93٪ من الهيروين في العالم.
ومع ذلك، كان الدليل واضحاً، أن هذا الأفيون وتوزيعه العالمي هو المهمة الرئيسية لوكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأمريكي، الذي يوفر النقل الجوي الآمن عبر القواعد الجوية في قيرغيزستان وأفغانستان إلى أسواق الهيروين الغربية.
عندما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان، بدعوى قصاص طالبان لمساعدة أسامة بن لادن في هجمات الحادي عشر من أيلول، كان مستوى تجارة الأفيون منخفضاً للغاية في تلك الآونة، وبحسب أستاذ الاقتصاد والمؤرخ الكندي ميشيل شوسودوفسكي فإنه بعد غزو الولايات المتحدة عام 2001 مباشرة تم استعادة أسواق الأفيون، وارتفعت أسعاره، وبحلول أوائل عام 2002 ارتفع السعر المحلي للأفيون في أفغانستان بنحو 10 مرات عما كان عليه في عام 2000.
عمل الغزو الأنغلو أمريكي لأفغانستان على إنعاش تجارة المخدرات، وبحسب صحيفة الغارديان فإنه في عام 2007، أصبحت المساحات المزروعة بالمخدرات في أفغانستان أكثر من كولومبيا وبوليفيا وبيرو مجتمعة، كان ذلك بعد ست سنوات من الاحتلال العسكري الأمريكي.
وفي غضون سنوات من الاحتلال الأمريكي، في ظل حكم كرزاي، وصلت محاصيل الأفيون إلى مستويات قياسية. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، كان أحد أكبر أمراء حرب الأفيون الأفغان في ذلك الوقت، وتحديداً في عام 2009، أحمد والي كرزاي وهو شقيق الرئيس الأفغاني الذي يحصل على مدفوعات منتظمة من وكالة الاستخبارات المركزية.
وفي الوقت الذي تنفي فيه واشنطن ووكالة الاستخبارات المركزية دعمهما لتجارة الأفيون الأفغانية الضخمة، يوحي تاريخ وكالة الاستخبارات، منذ حرب فيتنام، مع أمراء حرب المخدرات بغير ذلك، حيث خلال حرب “المجاهدين”، التي مولتها الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي ضد الجيش الأحمر السوفييتي في أفغانستان، تغاضت وكالة الاستخبارات عن أسامة بن لادن وآلاف “الأفغان العرب” الذين جندهم.
في الحقيقة ترتبط وكالة الاستخبارات المركزية، والشركات العسكرية الخاصة المتعاقدة معها، مثل شركة “داين كورب”، ارتباطاً وثيقاً، وهما متورطتان اليوم في أكبر مصدر للأفيون والهيروين في العالم.
من الواضح أنه، خلال العقود الثلاثة التي قضاها الأمريكيون في أفغانستان، أسهمت العمليات العسكرية لواشنطن بشكل كبير في الاتجار غير المشروع بالأفيون في آسيا الوسطى، إذ ارتفع إنتاجها من الأفيون من 180 طناً في عام 2001 إلى أكثر من 3000 طن سنوياً بعد الغزو، وإلى أكثر من 8000 طن بحلول عام 2007. وبحلول عام 2017 ، وصل إنتاج الأفيون إلى مستوى قياسي بلغ 9000 طن بعد أكثر من 16 عاماً من الغزو العسكري الأمريكي لأفغانستان.
وخلافاً للرواية السائدة في وسائل الإعلام الغربية حول بقاء المقاولين والمرتزقة الأمريكيين في أفغانستان، فهم من يشتري محصول الأفيون، ويتحكم في طرق التصدير، ثم بيعها لتحقيق أكبر ربح ممكن.