كييف تتحمل مسؤولية فشل المباحثات
هيفاء علي
قال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” نُشرت في 26 نيسان الجاري إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا يجب أن تشارك في صيغة “نورماندي”، كما اقترح إعادة صياغة اتفاقيات “مينسك” لأنها ستكون غير قابلة للتطبيق كما هي. ورفض زيلينسكي إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وأعلن استعداده لمناقشة مشكلات التسوية السلمية للصراع مع روسيا.
حقيقة، لم يعد يُنظر إلى تصريحات السياسيين الأوكرانيين حول الحاجة إلى إعادة صياغة اتفاقيات “مينسك” على أنها أخبار ضاربة، وبرأي محللين فإنه بالكاد يمكن تسمية جميع الأفكار الواردة في المقابلة بالأخبار. لقد تمّت صياغتها عدة مرات، وموقف موسكو من هذا الموضوع معروف جيداً، إذ لا يعتبر الكرملين أنه من الممكن تغيير اتفاقيات “مينسك” وترتيب النقاط في حزمة الإجراءات لتطبيقها، ولا يرى أي جدوى من إضافة مشاركين جدد إلى صيغة “نورماندي”، لأن هذا الأمر لن يؤدي إلا إلى تعقيد عملية القرار وتوافق الآراء، خاصة وأنه من السهل جداً تخيّل أن أمريكا ستنتهز كل فرصة لوضع العراقيل في عجلات روسيا.
من جهته، لا يسع الجانب الأوكراني إلا أن يخمّن أن ردّ فعل باريس وبرلين على التخريب الصريح المتزايد والعدواني لمحادثات السلام لن يكون حماسياً، على الرغم من أنهم يرفضون ممارسة ضغط علني على موسكو. وفي هذا السياق، كشف مقال بقلم كوميرسانت كيف تنظر فرنسا وألمانيا إلى تنفيذ اتفاقات مينسك، حيث وضع الطرفان الفرنسي والألماني “نماذج” تمثل خطة تدريجية لتنفيذ الاتفاقات، بحيث يتمّ وضع الوحدات وفقاً لترتيب النقاط في مجموعة الإجراءات: الانتخابات قبل استعادة أوكرانيا للسيطرة على الحدود وتعديلات الدستور التي تحدّد الوضع الخاص لدونباس.
وكانت قد جرت مفاوضات في 19 نيسان استمرت ثلاث ساعات بين مستشاري قادة تنسيق نورماندي، لكنها لم تسفر عن شيء، بل رفض الوفد الأوكراني مناقشة مقترحات روسيا لمنع “تصعيد إطلاق النار” وتقديم المسؤولين عن انتهاكات وقف إطلاق النار إلى العدالة. ومع ذلك، على الرغم من فشلهم الفعلي، الذي أصبح نتيجة تقليدية لكل اجتماع من هذا القبيل، وتتحمّل كييف المسؤولية الكاملة عنه، فإن المفاوضات ستستمر.
كان هناك عرض غير متوقع لعقد اجتماعهم المقبل على خط الاتصال، حيث طوّر مستشار الرئيس الروسي دميتري كوزاك هذه الفكرة قبل أيام قليلة، واقترح أن تنظم كييف وباريس وبرلين اجتماعاً قبل 27 نيسان في إقليم دونباس، خارج سيطرة كييف، إلا أن كييف دفنت هذه الخطة بالفعل. ومع ذلك، فإن سياق رسالة كوزاك وسّع بشكل غير متوقع تنسيق نورماندي، كونه يتعلق بضرورة أن تتعرف جميع الأطراف على الوضع في منطقة الحرب من أجل تخيّل طبيعة وحجم المواجهة المسلحة.
زيادة على ذلك، أشار رئيس أركان الرئيس الأوكراني أندريه يرماك في مقابلة إلى الوحدات، ووصفها بأنها “خطوات منظمة منطقياً” لحلّ النزاع في دونباس. وأضاف “إذا تمّ قبول الوحدات من قبل الأطراف، مع إضافة التواريخ والمواعيد النهائية، يمكن أن تتحول إلى خارطة طريق”. وفي الوقت نفسه، لم يحدّد ماهية مقترحات الجانب الأوكراني، ولكن على عكس النسخة الفرنسية الألمانية، فإن الوحدات الأوكرانية تتعارض تماماً مع اتفاقيات مينسك، كما هو معتاد من جانب أوكرانيا.
باختصار، يمكن القول إن عملية مينسك لم تصل إلى طريق مسدود بسبب خطأ كييف فحسب، بل إنها لم تتمكّن حتى من الخروج منها طوال هذه السنوات منذ توقيع “مينسك 2” عام 2015. ومع ذلك، لا يوجد سبب للحديث عن عدم جدوى الحفاظ على صيغة التفاوض طالما أنها تمكنت من حلّ القضايا ذات الأهمية الكبيرة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
وتبقى القضية الرئيسية وقف إطلاق النار على خط التماس، فقد استمر وقف إطلاق النار الأخير ستة أشهر، وثمة احتمال ضئيل بالتوصل إلى وقف إطلاق نار جديد.