تحقيقاتصحيفة البعث

سوق رمضان الخيري.. أهداف ضائعة في زحمة التحديات وأسعار تطرح إشارات الاستفهام

دمشق– ميس بركات

وسط وضع اقتصادي خانق وغلاء معيشي فاحش واستغاثات المواطنين من ارتفاع الأسعار أضعافاً مضاعفة قبيل حلول شهر رمضان، قدمت وزارة الأوقاف مبادرتها الأولى من نوعها لكسر حلقة الوصل بين التاجر والمواطن وتخفيف الهوّة بين الأجور وأسعار السلع من خلال السماح للشركات الصناعية والتجارية مجاناً ببيع منتجاتها على أرض مدينة المعارض القديمة بسعر التكلفة أو أقل.

المبادرة أوجدت حالة من الارتياح في الشارع السوري، وتنفس أصحاب الدخل المحدود الصعداء بسماعهم بها، ليتهافت المواطنون منذ ساعات الصباح الأول لرمضان على أبواب مدينة المعارض القديمة لعلّ وعسى يملؤون حقائبهم الفارغة بسلع مخفّضة تخفف حدّة الغضب الذي كان يملأ نفوسهم بعد سلسلة الارتفاعات الأخيرة المتأثرة بسعر الصرف والذي حرم موائد السوريين الكثيرَ من السلع والمواد الغذائية.

بين الرضا وعدمه

أصحاب الفعاليات والقائمون على المبادرة من وزارة الأوقاف أكدوا عبر المنصات الإعلامية على حجم الفروقات الكبيرة في الأسعار بين السوق الخيري وبين الأسواق الأخرى والتي تراوحت –حسب تصريحهم- بين 30-40% وبالتالي ساهمت بشكل كبير في تخفيف العبء على المواطنين في هذا الشهر الذي يزداد استهلاكهم فيه للسلع الغذائية والاستهلاكية، ما أحدث حالة من الرضا عند جميع من زاروا المعرض، في حين لم نلمس في جولتنا في السوق الخيري الرضا الكافي عند الزوار ممن اكتفوا ببضعة أكياس خجولة لمسوا فيها فرقاً في الأسعار أدنى بمئات الليرات من أسعار السوق وفي بعض الحالات لم تتجاوز الفروقات الـ1000 ليرة سورية، والتي لم تغطِ أجور النقل التي تمّ صرفها على الطرقات بغية الوصول إلى أرض المعرض، وخاصّة في ظل صعوبات التنقل اليوم وأزمة المحروقات وعدم تلبية أغلب الأرياف باحتياجاتها من وسائل النقل، ليكون السوق برأي الأكثرية لسكان محافظة دمشق لا ريفها ممن هم أحوج لهذا السوق الذي شهد في أغلب الأوقات طمع وجشع الكثيرين ممن أفرغوا رفوف بعض الأقسام بشرائهم السلع على هيئة “طرد” لحرمان الآخرين منها وللمتاجرة بها وبيعها في الخارج بسعر أعلى، ما دفع القائمين على المبادرة لمنع شراء أكثر من “طرد” للشخص الواحد، وما أثار الكثير من إشارات الاستفهام فيما إذا استطاعت المبادرة تحقيق الهدف بمساعدة ذوي الدخل المحدود وتخفيف العبء الاقتصادي عنهم في الوقت الذي كان أغلب زوار السوق الخيري من ذوي الدخل غير المحدود القادرين على شراء كميات مخيفة من السلع دون التوقف والتفكير بسعرها!!.

مخالفات وإخلاء

كثيرة هي الأسئلة التي وضعناها بين يدي خالد العلبي المدير التنفيذي لسوق رمضان الخيري التابع لوزارة الأوقاف الذي تحدث عن التحضيرات الكبيرة التي سبقت هذه المبادرة، والهدف الأسمى الذي كانت تصبو إليه الوزارة لمساعدة ذوي الدخل المحدود والمتابعة اليومية لإدارة القائمين على هذه المبادرة لمنع التلاعب بالأسعار أو شراء كميات فائضة، حيث تم التحضير مع غرف الصناعة والتجارة لدمشق وريفها ومع محافظة دمشق للوصول إلى إعادة ألق معرض دمشق الدولي القديم من خلال التخصيص مجاناً لعدد من الشركات المساهمة وصلت إلى 255 نقطة بيع توزعت على 101 نقطة بيع مواد غذائية و23 نقطة بيع للمنظفات و21 للألبسة والأحذية، وما تبقى مواد متفرقة “كهربائيات وزراعة وبيض وفروج”، وتم الاتفاق مع الشركات على بيع سلعها بسعر التكلفة أو أقل وفي حال عدم الالتزام يتم إعلام الإدارة ويتم التنبيه لأول مرة ثم إلغاء التخصيص للشركة المخالفة في هذا المشروع الخيري في حال تكررت الشكوى لأكثر من مرة، مشيراً إلى ورود 3 شكاوى خلال الـ10أيام الأولى من المبادرة.

الريف مستقبلاً

العلبي لم يخف وجود حالات طمع لعدد لا بأس به من زوار المعرض ممن قاموا بشراء كميات بالجملة لعدد من السلع لأهداف متعددة، واستطاعت الإدارة ضبط مثل هذه الحالات بوضع حراسة وإذاعة للسوق ومنع خروج الزوار ممن حازوا على مثل هذه الكميات الكبيرة، مشيراً في ردّه على سؤالنا حول صعوبة النقل بتخصيص الوزارة 5 باصات لنقل الركاب من جسر السيد الرئيس ومنطقة باب توما وساحة المواساة وباب مصلى في أوقات محددة ومجاناً، وسعي الوزارة في المستقبل لإطلاق مثل هذه المبادرات في ريف دمشق الذي هو الأحوج لمبادرات خيرية ولاسيّما في ظل انخفاض مثل هذه المبادرات خلال السنوات الأخيرة تزامناً مع انخفاض مستوى المعيشة لأغلب الأسر السورية، منوّهاً بإطلاق الوزارة لهذه المبادرة في محافظات طرطوس وحماة وحمص مع مبادرة محافظة دمشق التي وجد فيها محمد الحلاق أمين سر غرفة تجارة دمشق فرصة في شهر رمضان لرفع الأعباء عن المواطنين ممن اتجهوا بشكل كبير إلى نقاط بيع المواد الاستهلاكية والغذائية بأسعار منخفضة، حيث حقق هذا المشروع بهذا المكان المتميز قيمة مضافة وأعطى انطباعاً جيداً تزامن مع انخفاض سعر الصرف والبضائع بشكل كبير، فأصبح المنتج قادراً على تقديم منتجه بسعر جيّد، ناهيكم عن السعر التفضيلي الذي كان سيبيع به في السوق الخيري، ونوّه الحلاق بأهمية هذه المبادرة بالنسبة للتاجر أيضاً الذي وجد فيها فرصة ليعرف بمنتجه بدلاً من الخوض بتجربة الإعلان والدعاية، ليحصل بهذه الخطوة على توازن النفقات من خلال استبدال الدعاية بالبيع بسعر التكلفة، فالتجارة تقوم على مبدأ الربح والخسارة لكن استمرارية العمل تعطي ربحية إجمالية للمشروع، ولم يُبد الحلاق تجاوباً مع فكرة استمرار مثل هذه المبادرات على مدى العام، حيث أثّرت هذه المبادرة على أسواق البيع الرئيسية والمتاجر بشكل أضعفها، فأي محل تجاري لديه عبء مالي يتطلب وجود مبيعات لتغطية هذه النفقات، وبالتالي فإن هذه المبادرات إيجابية بالنسبة للمستهلك لا التاجر وتُخل بالتوازن التجاري من عدّة جوانب، لذا يجب دراسة هذه المبادرات وطرحها في ظروف معينة ولفترة مؤقتة كي تنعكس إيجاباً على الطرفين.

عروض وهمية

لم يشكك خبراء الاقتصاد بصدق نوايا وزارة الأوقاف عندما أطلقت مبادرتها بهدف تحسين حياة الناس خلال الشهر الفضيل، لكن هدف بعض التجار ممن لم يثبتوا جدارتهم خلال سنوات الأزمة في تخفيف العبء على المواطنين كان محط تساؤل أصحاب الخبرة ممن أكدوا عدم تنازل أي تاجر عن نسبة ربحه مهما كانت الأسباب “مشروع خيري- ضابط أخلاقي…”، فالكثير من التجار يقومون بإيهام المواطنين بأن ربحهم قليل حسب رأي محمد كوسا “خبير اقتصادي” وفي بعض الأحيان يكون الربح قليلاً شريطة أن يكون البيع سريعاً “دورة رأس المال سريعة”، كما تلجأ الكثير من الشركات لهذه العروض التي غالباً ما تكون وهمية أو لا ترقى للنسبة المعلن عنها لاستخدامها في دفاتر المحاسبة وبالتالي تخفيف الضريبة عنهم، أما المواطن فتغريه هذه العروض ذات نسب التخفيضات الوهمية ويلجأ إليها لتخفيف جزء من تكاليف الشراء، علماً أن مواصفات السلع ستكون مغايرة للمطلوب وأقل جودة مما هو موجود في الأسواق ودون المستوى المطلوب، ويؤكد كوسا عدم تأثير هذه المبادرات بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني ولاسيّما أن زيادة الإنتاج وزيادة النشاط الاقتصادي وزيادة عدد المستثمرين وغيرها هي من العوامل التي تؤثر على النمو الاقتصادي.

أهداف تجارية

كذلك وجد محمد ناصر “خبير اقتصادي” في المبادرات الخيرية عملة ذات وجهين، أحدهما خيري يستقطب أكبر عدد من المواطنين لشراء سلع بسعر أقل من السوق المحلي حتى لو بشيء بسيط يخفف الضغوط المعيشية في الوقت الراهن، مع ما لحق معظم المواد من سعار والتي كان من المفترض أن يلمس المواطن انخفاضها مع انخفاض سعر الصرف وضبط الحكومة لتذبذباته، وبالتالي عدم الحاجة لإقامة المعارض والمبادرات، كما تسهم هذه المبادرات في توفير فرص جديدة للمشاريع الواعدة وتعرفة المستهلكين بمنتجات جديدة لا تزال غير معروفة، أما الوجه الآخر فيحمل في ثناياه العديد من الأهداف الخفية التي تصبّ في مصلحة التاجر أو صاحب الشركة أهمها الدعاية وترسيخ الوعي بالعلامة التجارية المطروحة على المستوى البعيد لا الآني فقط، وهذا يتطلب جهداً تسويقياً كبيراً ويتم من خلال مبادرات خيرية أو حملات تسويقية، وفي أغلب الأوقات تلجأ إلى المبادرات الخيرية التي تكسب بها ثقة المجتمع ككل كونها تلعب على وتر مساعدة المواطنين المحتاجين، ناهيكم عما تحصل عليه من توفير ضريبي ناتج عن العطاء الخيري وما تقدمه من خدمات للمجتمع وصولاً إلى تحقيق الغاية الأولى والكبرى لها وهو الدعاية لمنتجها وترسيخه في ذهن المستهلك بأنه المنتج الأفضل والأكثر جودة والأقل تكلفة.