حرّاس المشهد الدرامي
سلوى عباس
لم يكن مشوار الفن بسيطاً كما ظنه صناع الدراما يوم وجدوا أنفسهم يواجهون معتركاً فنياً شائكاً، هذا المشوار الذي بدؤوه بخطوات امتدت مسيرة في طريق طويل محفوف بالمخاطر والمغامرات، لكن حبهم لهذه المغامرة خفف عليهم هذه المشاكل، حيث مع التطور المتواصل للإنتاج التلفزيوني كان للدراما دور كبير في تسليط الضوء على مشكلات الواقع الحياتية بأسلوب يحاكي هموم الناس ومعاناتهم، ويعبّر عن الأزمات التي يعانيها المواطن وتؤرقه، ولازالت الدراما السورية حتى الآن تمتلك كل مقومات الصناعة، إضافة إلى تأثيرها الثقافي والإعلامي الذي تتميز به عن باقي الصناعات، الأمر الذي أكسبها قيمة عالية.
وإذا اتفقنا مع مقولة أن المتلقي يعيد صياغة أي منتج إبداعي، فالدراما أحد هذه الإبداعات، ما يؤكد أن المتلقي شريك في الإبداع، بغض النظر عن طبيعة القراءة التي يقدمها، والتقاطعات التي قد تتقاطع مع الدلالات التي يلتقطها والدلالات التي يقصدها صنّاع العمل، وغالباً ما نقرأ حول الدراما مواد أقرب إلى القراءة الانطباعية التي تختلف عن النقد الذي يقدم رؤية في العمل الدرامي بما له وما عليه، وهذا ماتوفره الندوات النقدية التي تقام عادة لتقييم الأعمال الدرامية، لكن ما يفاجئنا هو الخلاف الذي ينشأ بين الضيوف المشاركين في العمل وبين الناقد الفني الذي تكمن مهمته في تقييم العمل والإشارة إلى سلبياته وإيجابياته معاً، وهذا الاختلاف في الآراء هو الذي يخدم العمل ويبين ثغراته لتلافيها في أعمال قادمة، وليس من غاية للناقد الفني سوى غيريته على الدراما السورية كمنتج وطني مسؤولية الجميع الحفاظ على رسالته الثقافية والاجتماعية، خاصة وأن الدراما التلفزيونية تحظى باهتمام شرائح كبيرة من الناس.
ولعل ما احتوته الدراما التلفزيونية من إبداعات متعددة ابتداء من كتابة السيناريو مروراً بالتمثيل والتصوير، وانتهاء بالموسيقا التصويرية، هو ما جعلها قريبة من الاعتراف بها كإبداع مستقل عن السينما وغيرها من الفنون البصرية، مع العلم بأنه إلى الآن، لم يعترف البعض بالدراما التلفزيونية كشكل إبداعي مستقل، ومازالوا يلحقونها بالسينما لاسيما أن مصطلح “الدراما التلفزيونية” هو هجين بين كلمتي “دراما” والتي تعني بالمعنى العام “الأعمال المكتوبة للمسرح مهما كان نوعها” وكلمة تلفزيون تيمناً بأن هذه الدراما تعرض على الشاشة الصغيرة.
إن تسمية هذه القراءات النقدية بمصطلح “نقد درامي” هي في معظمها وليدة أمزجة شخصية، أو آراء غير موضوعية وغير حيادية، أو انسياق متسرّع وغير حكيم وراء المزاج العام في شهر يفرض هذا الاهتمام الاستثنائي بالدراما، الذي يتجلى في كتابات البعض بالانطباعات العامة التي يحكمها الرأي الاعتباطي الذي يفتقر للتحليل النقدي الصارم، والفهم الواعي والواضح لطبيعة وتقنيات الوسط الدرامي التلفزيوني، لكن وللأسف الصحافة المهتمة بالنقد التلفزيوني، أي أسلوب عرض وتقديم ونقد وتحليل منتجات القنوات التلفزيونية، لم يحظ بعد بالاهتمام الكافـي على المسـتوى التعليمي الأكاديـمي، ويترك الأمر للمشاهد يقرأ العمل حسب بيئته وخبرته وثقافته، ويحكم على العمل من خلال منظومته الفكرية التي تشكل الأساس المكون لعقله، ومن هنا نرى النهايات المتعددة والقراءات المختلفة لكثير من الأعمال الدرامية، حتى لو كان الكاتب يقدم هذه القراءات عبر رؤيته فقط. ومن هنا نؤكد على مساهمة النقد الدرامي في النهوض بمستوى الأعمال الدرامية، وممارسة دوره بحراسة المشهد الدرامي حتى يحافظ على تألقه وحضوره.