ثقافةصحيفة البعث

خطوة للأمام.. خطوتان إلى الخلف!

صديقك من صدقك القول والرأي مهما كان صادما، لا من جاملك وكذب عليك، وهذا القول ينطبق وبشدة على إعلامنا باختلاف أنواعه، والمرئي منه بشكل خاص،الذي ورغم الجهود الكبيرة التي يبذلها العاملون فيه، ما يزال يبدو وكأنه ممسوكة أكتافه بـ “وتاب” المحاكاة كي لا نقول التقليد!، المشكلة تبدو جلية في إعداد البرامج الحوارية بأنواعها، والذي تذهب في معظمها نحو التسطيح والمباشرة والخطاب الجامد، والانفصال عن الواقع في بعض الأحيان.
المشكلة التي كانت غير موجودة في الماضي لأسباب عدة، منها عدم توفر النت، والصحون اللاقطة، التي لا تنام على خبر، لم تعد موجودة اليوم، والخبر أو المادة التي يتجنبها أو يهملها إعلامنا عموما، لن يكون من العسير عليها، العثور على طريقة ما للوصول إلى أذهان الناس وعقولهم، وبالتالي ترسيخ حتى الكذب فيها، رغم أن الحقيقة فيما يتم تقديمه من تلك الوسائل، هي شيء مختلف تماما عما هو عليه الحال والواقع، لكن تأخرها وانفصالها عن الواقع، سمح للعديد من الوسائل الإعلامية ذات الغرض المشبوه، بالتغلغل في مجتمعاتنا والعبث بعقولنا.
بالتأكيد ثمة خطوط حمراء تتعلق أولا وأخيرا بسلامة الوطن وأهله، لا يجوز تجاوزها، خصوصا في زمن الحرب، لكن هذا لا يعني ولا بحال من الأحوال، أن نقوم بتحديث الشكل، على حساب المضمون والخطاب، الذي بقي هو نفسه تقريبا، وإن تغيرت أنماط تقديمه، فاللغة الخشبية ذاتها، الخوف غير المبرر ذاته، الخطوط الحمراء غير المعروفة لعدم وجود معايير محددة وواضحة لها للجميع، وغيرها العديد من المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الخطير جدا، وإن كنا لمسنا شيئا من التحسن في الأداء العام، إلا أننا أيضا لا نلمس فقط، بل نرى ونسمع ونشم حتى، المراوحة في المكان، وعدم الخطو إلى الأمام تجاه القضايا والمشاكل التي تخص السوريين عموما.
في حديث مع العديد من الأشخاص الذين ينتمون لشرائح عمرية وفكرية مختلفة، عن مدى متابعة إعلامنا والتوجه إليه لأخذ المعلومة لا لغيره، يُجمع الكل عموما، على أن ما يُبث أو يُكتب اليوم في وسائلنا الإعلامية المحلية، تم بالأمس مشاهدته أو قراءته في وسائل إعلامية أخرى، واحترام عقول المشاهدين والقراء، هو أهم ما يجب أن يفكر فيه إعلامنا الوطني، خصوصا وأنه كما سلف وأخبرنا، غير مُتابع من السوريين أنفسهم، فكيف سيتابعه من لديه وجهة نظر مختلفة؟ وهو يعلم أو يدرك سلفا، أنه لا جديد يُذكر فيما تذهب لتقديمه وسائلنا المحلية باختلاف أنواعها، فخبر اليوم، هو ذاته خبر الأمس، وخطاب اليوم هو بدوره كذلك، فأين إذا الدروس التي علمتنا إياها الحرب بأقسى أشكالها.
الأعلام تطور في جميع الدول، حتى تلك التي كنا نسخر منها، وعندنا لا زال يراوح مكانه، أو يحدث له ما ينطبق عليه بما جاء في القاعدة الماركسية الشهيرة (خطوتان للأمام، خطوة إلى للخلف)، إنما بحالة معكوسة، لتصبح: “خطوة إلى الأمام، خطوتان للوراء”.
بإمكاننا التهليل إلى ما شاء الله، لما نعرف جيدا، أنه لا يستحق التهليل ولا المباركة، ولكن هل نكون بذلك قمنا بحل المشكلة أم بزيادة تعقيدها؟ المشكلة الحقيقية، تكمن في بعض العقول التي لا تزال تفكر وكأنها في العصر الحجري بالنسبة لعصور الإعلام، فهؤلاء عموما، شبوا وشابوا على هذا، رغم أن التوجيهات ومن أعلى الهرم، لا تقبل بذلك، بل إنها طلبت وبشكل واضح وصريح، تجاوز وحل تلك المشاكل التي يعاني منها إعلامنا العزيز،فنحن لسنا مضطرون لمتابعة تلك القناة الجارة، لنقرأ الخبر الذي يخصنا من عندها، وكأنها من قنواتنا المحلية، والغريب أنها ورغم بعدها–أي تلك الوسائل البعيدة جغرافيا-، تذهب نحو تقديم الخبر والحال، الذي يصمت عنه إعلامنا. ولقد كان من اللازم والضروري، خصوصا وأننا أدرى بشعابنا، أن نكون أول من ينقل الحدث، وأول من يوجهه، ومنه تأخذ باقي الوسائل الإعلامية خبرها، باعتبارنا من أهل البيت ولسنا من الخوارج عليه.
الجمهور لم يعد يطيق هذا الشكل والحال الذي عليه وضع إعلامنا، وهذا جمهورنا، وهؤلاء أهلنا وناسنا، ومصارحتهم والسرعة في تقديم الخبر لهم، هو ما يعنيهم، لا العكس، فكيف يمكننا اكتساب ثقة أهلنا ونحن على ما نحن عليه منذ عقود؟ رغم أننا بمناسبة أو دونها، لا ننكر أن العالم برمته صار قرية كونية صغيرة، ينتقل الخبر فيها بسرعة الضوء، ومن يسبقنا لتقديم خبرنا، يمكنه التلاعب فيه كما يشاء، وهكذا نفوت على أنفسنا الفرصة الذهبية، لتصدرنا المشهد الإعلامي في العالم، فليس من المعقول بمكان، أن تقدم قناة ما، موجودة في آخر ما عمر الله، ما لا نقدمه ونحن قربه، ونستطيع تقديمه بما يلائمنا ويناسب أحوالنا خصوصا وأن لدينا عقولا بارعة، لا تقل شأنا وإبداعا عن غيرها في هذا المضمار، واغلب تلك العقول تستطيع أن تصنع أهم مما يصنعه غيرها، مع فارق جوهري، وهو بأن قلبها على البلاد، على عكس ما هي عليه قلوب وأحوال الآخرين الذين لا يعنيهم أن نكون بخير، وهذا ما فعلوه طوال سنون الحرب التي وباعتراف الجميع، كان دور الإعلام هو أحد أهم وسائلها، فماذا نتوقع ممن يواجه المدفع ببندقية من كرتون؟ والمتابع يدرك جيدا، أن ما هو على أرض الواقع، سبق وبأشواط عديدة، ما يوجد على هذه الشاشة أو تلك الجريدة، التي فقدت بنسبة كبيرة ثقة متابعيها المحليين، فكيف الحال إذا مع غيرهم؟

تمّام علي بركات