“تجليات شهرزاد”.. لعبة الواقعي والمُتًخيَّل
صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً مجموعة قصصية جديدة بعنوان “تجليات شهرزاد” للأديب والإعلامي عماد الدين إبراهيم.
تتضمن المجموعة، الواقعة في 120 صفحة، اثنتي عشرة قصةً متفاوتة الطول، متنوعة الموضوعات. ولأن الموسيقا حاضرة بقوة فيها، بدت القصص وكأنها مستوحاة من سيمفونية مؤلفةٍ من حركتين؛ التجلي الأول والتجلي الثاني، وما بينهما هو عزف منفرد من وحي “شهرزاد” بضمير المتكلم.
القصُّ بضمير المتكلم هنا، هو اقتراح جمالي خاص بالكاتب لا يدلل على ذاتويةٍ بقدر ما يوحي بخصوصية الموضوعات في كل قصة، باعتبارها تجارب شخصية، أو هكذا أُريدَ لها أن تبدو، تجارب هجعت في الذاكرة لزمنٍ طويلٍ حتى حضرت شهرزاد لتمنح تلك الذاكرة استطالاتٍ أدخلتها في عوالم الحلم أو الخيال، وهنا ندخل في ثنائية الواقعي والمُتًخيَّل، أو الغرائبي أحياناً، كما في قصة “التجلي الأول”، حين يبدأ نسج القصص بالتداعي السلس دون توقف، ليس من خلال اللغة أو الكلام، بل بالإشارة، والإيماءة، والرقص، والموسيقا، وما يمكن أن يخلقه ذلك من تحرير للخيال، ونزوع نحو فضاءات لا تني تتسع باطّراد.
في قصة “آتشكاه جبل النار” يأخذنا الكاتب إلى أجواء الواقعية السحرية من خلال قصة حب تتأتى من بصمة صوت مذيعة إيرانية تترجم من الفارسية إلى الانكليزية، “الأذن تعشق قبل العين أحيانا” كما يقول بشار بن برد، ولأن الكاتب مذيع متمرس فإن انتباهه إلى الصوت بدا أمراً طبيعياً، وحين يرى وجهها على الشاشة يعشقها أكثر، وعندما يلتقيان خلال المهرجان تقضح النظرات المتواطئة بينهما ما خفي من المشاعر الملتهبة المكتومة.
وتتجدد أجواء الواقعية السحرية في قصص أخرى كما في قصة “التجلي الثاني”. أما في قصة “شجرة القتيل” التي يقارب فيها موضوعاً إشكالياً، هو التقمص، فإن أجواء مدرسة الصيغ أو الشكل “الغشتالت”، المعروفة في علم النفس، تأخذ القاص إلى توقع الممكن استناداً إلى ما يعرفه سابقاً حين يصطدم بطل القصة بشجرة على الرصيف، ويتوقع الموت، وتسمية الشجرة باسمه كما حصل مع إحدى ىشخصيات القصة.
يسعى الكاتب إلى تنويع أشكال القص في المجموعة، ويلجأ إلى حيلة الرسائل لإيصال الفكرة، كما في قصة “في حضرة ابن لنكك”، وتظهر مهنيته في الكتابة وتأثره بمهنته كإعلامي في قدرته على ملاحظة التفاصيل الدقيقة للأشخاص والأماكن كما في قصة “وجوه عابرة”، و”الممتعض”.
يبدع الكاتب في وصف الأمكنة التي شكلت بيئة القصص في المجموعة من دمشق إلى ريف طرطوس، وطهران، وأصفهان، وموسكو إلى درجةٍ يشعر معها القارئ كأنه يزور هذه الأماكن بالفعل. كثافة الوصف ربما كانت أمراً غير مألوف في أدب القصة القصيرة، لأن ذلك من خاصية أدب الرواية كما عرفناه، فهل نرى رواية أولى للكاتب قريباً؟
الوصف في القصص هنا لا يثقل على النص، بل ربما يجعل القارئ شريكاً في القصة، ويبدو أن الكاتب تعمَّد هذا الأمر من أجل خلق تفاعلٍ بين القارئ والنص، وهذا ما يؤكده استعراض الكاتب في عدة قصص لكتب مكتبته التي يشير إليها مع أسماء مؤلفيها، أو في استعراض مكتبته الموسيقية وما احتوت من موسيقا سيمفونية.
الوجدانية تحضر أيضاُ في قصة “دمعة في موسكو” التي تتحدث عن شخص آمن بالاشتراكية ومات دون أن يزور موسكو، وحين يزورها صديق له لا يجد من الاشتراكية في روسيا سوى تمثال لينين المحاط بمظاهر الرأسمالية الوافدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فيذرف دمعته على صديقه الذي مات وهو يحلم بما لن يكون. وكذلك في قصة “الكرسي” التي يتناول فيها آثار الحرب على إحدى مناطق ريف دمشق.
متعة القص وجمالياته التي تجلت في المجموعة لا تجعلنا نغفل عن ملاحظتين اثنتين: الأولى تتعلق بالعنوان الذي جاء تقليدياً، وربما شكّل مصادرةً للقارئ تحيله إلى أجواء ارتبطت باسم شهرزاد، مع أن قصص المجموعة تتجاوز ذلك التصور النمطي لتلك الأجواء.
والثانية لها علاقة بالغلاف. الغلاف باعتباره العتبة الأولى للنص، فبقدر ما يكون التصميم جميلاً وخلاقاُ يعكس مضمون الكتاب، بقدر ما يكون ذلك حافزاً لاقتنائه، لكن مع الأسف، فقد جاء تصميم الغلاف رديئاً، وعمليات الـ” فوتوشوب” التي تمت عليه لم تكن موفقة ولا علاقة لها بالمضمون، وربما كانت مشكلة أغلفة الكتب الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب من المشكلات التي نتمنى على الهيئة أن توليها الاهتمام اللازم لإعطاء الكتاب السوري إمكانات التسويق، والقدرة التنافسية في الشكل كما في المضمون.
يحيى زيدو