المعمول موروث كنعاني جميل
ترتبط مواسم الأعياد بالمعمول أو كعك العيد، يبدأ الناس بتحضيره أواخر رمضان بعد ليلة القدر ليصبح جاهزاً للضيافة طيلة أيام العيد، والباحث خلف تاريخ المعمول يجد ماضياً مثيراً وتفاصيل رائعة. إذ يقول أحد المتبحرين في التاريخ: “عندما أعطتني جدتي ورقة لشراء مكونات كعك المعمول، لم تكن تعرف بأنها حمّلتني وصية الإلهة “عناة” (آلهة كنعانية قديمة)، وأنها لازالت تحمل وتُورث وصية أخذتها دون علم عن جداتها على امتداد 6000 عام من الآن”.
تقول الأسطورة بأن الإلهة “عناة” صنعت هذه الحلوى “كعك المعمول” ابتهاجاً بعودة “الإله بعل” من الموت، وهي جزء من الممارسات الأسطورية التي مارسها الشعب الفلسطيني (الكنعاني) منذ آلاف السنين، حيث ينصّ الدين الكنعاني القديم على أن الصيف يحلّ على الأرض بسبب موت الإله بعل بعد صراعه مع إله العالم السفلي، لذلك كان الكنعاني يحصد القمح ويطحنه ويصنع منه هذا الكعك احتفالاً بقرب فصل الشتاء (المطر والخصب) والذي يأتي بسبب عودة “الإله بعل” إلى الحياة، وورثت النساء الكنعانيات صناعة ذلك الكعك إلى يومنا هذا بشكل مستدير منقوش بعدة زخارف ونقوش مختلفة.
في مصر يُسمّى المعمول بالكعك أو الكحك، وله ماضٍ عريق قديم قدّره الناس في مصر القديمة حتّى تركوه في القبور مع الموتى مؤونة للحياة الآخرة، وأيام عبادة الشمس “آتون” وصُنع معمول الكعك بشكل أقراص عليها نقش الشمس.
في العهد الفاطمي أسّست الدولة في القاهرة دائرة حكومية باسم “دار الفطرة” كان واجبها صناعة معمول الكعك وتوزيعه على الناس مجاناً أول أيام عيد الفطر، وكانت تموّل هذه الدائرة من زكاة الفطر، التي درجت تسميتها بالتالي “فطرة العيد”، واستمرّت هذه المؤسّسة بالعمل لاحقاً في عهد الأيوبيين ثم في عهد المماليك، حتى توقّفت في القرن الخامس عشر.
والمعمول كان معروفاً وشائعاً كذلك أيام الدولة البيزنطية قبل الإسلام، إذ صنعه الروم للأعياد المسيحية وقبل الصوم الكبير، ويُشكّل بشكل أهرامات صغيرة، ثم انتشرت هذه التقاليد حيث حكمت الإمبراطورية البيزنطية، ومن تطورات المعمول أيام أيوبيي حلب كان “الكرَبيج” أو “الكربيچ” وهو معمول محشو بالجوز أو الفستق الحلبي ومغطّى بالناطف وهو دبس مصنوع من بياض البيض مع القطر والعصلج (عرق الحلاوة).