الدراما النفسية مثيرة للخوف وتركز على البطل الأوحد
ما تزال أعمال الدراما النفسية مخيفة لكثيرين، ربما لخطورة هذه الأمراض وانعكاساتها على الفرد والمحيطين به، وربما لقسوة المشاهد الحقيقية التي يتم تصويرها في مشافي الأمراض النفسية والعصبية، وتركيز حركة الكاميرا على ملامح وجوه المرضى وحركاتهم المتوترة وخروجهم عن دائرة الحياة الطبيعية. إضافة إلى قوة المؤثرات التي تساند تجسيد الحالة من حيث الإضاءة والصوت والسينوغرافيا والرعب المثير للخوف، كل هذه العوامل أبعدت كثيرين عن متابعتها وفي الوقت ذاته قرّبت الذين يستهويهم الغموض والتحليل فوجدوا تقاطعاً ما بينها وبين الأعمال البوليسية، لاسيما أن الدراما النفسية تتطور وتقدم حالات صعبة علاجياً، فبعد أن تناول عدد من الكتّاب مرض الزهايمر، ظهرت أعمال محلية وعربية عن مرض التوحد، وفي موسم رمضان لهذا العام عرُض ضمن الأعمال مسلسل “بصمة حدا” إنتاج شركة غولدن لاين، فتألف من ثلاثية كل واحدة منها تتألف من عشر حلقات “انتقام بارد” و”برزخ” و”طبق الأصل” المؤلفة من ثلاث عشرة حلقة، بطولة عباس النوري – إخراج علي محيي الدين علي، سيناريو سلام كسيري المتخصصة بالإخراج السينمائي وكتبت سيناريوهات لأفلام قصيرة، وشاركت بإعداد نصوص بعض الأعمال العربية ذات الخصوصية البوليسية المثيرة، فبدا تمكنها من الإثارة في كتابة النص والتوقف عند المحطات الأساسية التي يمر بها مريض انفصام الشخصية الذي يصل إلى مرحلة الذهان كما فسر الطبيب النفسي ذلك –د.هادي، جلال شموط- من خلال الحلقات وخاصة الأخيرة التي كشفت حقيقة مرض وائل –عباس النوري.
الشخصية الوهمية
وكون هذه الأعمال تعتمد على إظهار شخصية النجم الأوحد ومساندة بقية الشخصيات له، فتم التركيز على سلوكيات عباس النوري وتصاعد الأحداث مع تصاعد الحالة المرضية بأدائه المقنع وشد المشاهدين إلى تفاقم الحالة التي بدأت بالشك بكل المحيطين به وصراعه مع أخيه –ميلاد يوسف- ليصل إلى تصديق ما يشعر به، ومن ثم التخيل فتكررت تخيلاته بحواره مع الشخصية الافتراضية الموجودة بأفكاره “عصمت” فايز قزق ووجوده معه بالسيارة وغرفة النوم والشرفة.
الملفت هو ظهور وائل بشكل هادئ أثناء تعاطيه الدواء وتفاقم حالته بعد أن صمم على عدم تناول الدواء بذريعة متابعة أعماله الصباحية دون توضيح الحالة، فتزداد حالته سوءاً ليتقمص شخصية عصمت الجار العاشق لزوجته- نور علي – الشخصية الوهمية الموجودة بخياله المتشائم، فيتقمص هذه الشخصية لدرجة أنه أرسل لزوجته رسائل غرامية من رقم آخر، ليواجهها وهو مقتنع تماماً بأنها زوجة خائنة.
المشاهد القاسية توالت في النهاية ابتداء من مشهد إشهار وائل المسدس في وجه زوجته وأخيه، إلى إلقاء القبض عليه وذهابه إلى مشفى الأمراض النفسية وارتدائه الثوب الأبيض الذي يرتديه المرضى النفسيون في المشفى وتصوير الكاميرا حالات واقعية تعاني من وطأة الأمراض النفسية.
وبعيداً عن الأحداث المتشعبة في سياق الحبكة الدرامية، يظهر المخرج تأثر الزوجة باستحضار الذكريات الجميلة التي عاشتها مع زوجها للتأثير على المُشاهد، إلا أنها متهمة بعدم ممارسة دورها الفعّال في معالجة زوجها والاكتفاء بإقناعه بضرورة تعاطي الدواء وكأن الأمر لايعنيها، ما أوجد خللاً درامياً بتباين موقفها بين نهاية العمل وهي تتجول بأرجاء المنزل وتبكي وصولاً إلى الشرفة المرتفعة التي تظهر المدينة المضاءة بعتمة الليل، وأثناء مراحل تطور الحالة المرضية لوائل.
ملده شويكاني