بلادي.. بلادي
حسن حميد
ماعاد الأمر خافياً على أحد، أن الكيل طفح دماً وحزناً وأسى، وأن الهموم والغموم وصلت إلى الحناجر أو كادت، لأن دموية الاحتلال الصهيوني ووحشيته مسّت كلّ مقدس في الوطن الفلسطيني المحتل وبطشت به، وانتهكت كلّ محرّم واخترمته، وطالت كلّ نبيل بالأذيات الكبار شناءةً.. لهذا نرى الفلسطينيين الآن، وعبر انتفاضة القدس، خلقاً متجددين في العافية الوطنية، والصمود الأسطوري، والدفاع عن مقدساتهم من البيت إلى المدرسة والكتاب إلى دور العبادة إلى الأشجار والدروب إلى الأحلام والثوابت التي توارثوها جيلاً فجيلاً.
المدهش اليوم في المقاومة الفلسطينية وهي تواجه المحتل الصهيوني عبر انتفاضة القدس يتمثل في الآتي:
* الوحدة الوطنية الموحِّدة للقول والقرار والفعل من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لأن غرفة عمليات واحدة تسيّر أعمال انتفاضة القدس وتبدي أفعالها التي تذهل العالم بمكنتها واقتدارها وهي تواجه عدواً أقام وجوده منذ ثلاث وسبعين سنة على مفهوم القوة، ولا شيء سوى القوة، وقناعتهم العقائدية، أعني أهل الوحدة الوطنية، إيماناً ومبدأً، أن الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، وأن تحرير التراب الفلسطيني لن يتمّ إلا بالقوة.
* القول البات إن كلّ أساليب الإخافة والتهويل من قبل العدو الصهيوني ما عادت مجدية حين تمس القدس بأيّ رجس، سواء أكان هذا المسّ بالمكان تحويراً أو تهويداً أو شراءً أو تهجيراً أو تشريداً، لأن القدس هي القدس، أي أنها مدينة الله، ولأن القدس هي كلمة السّر التي توحّد الجميع خلف معانيها الثقال.
* الإيمان المطلق أن الأرض تحرثها عجولها، وأن البداية تتكون في القلب، والقلب اليوم هو القدس، ولهذا فإن الجميع، وكما نرى في الصورة، يدافعون عن الأرض وما فوقها، وعن الأرض وما تحتها لأن مفهوم السيادة غير قابل للقسمة، وأن معاني الشهادة، وما أكثرها، هي الكتاب الثقيل الوازن نبلاً الذي يقرأ فيه الفلسطينيون منذ إدراكهم ظلموت الغرب المتوحش عبر دموية الصهاينة منذ مجزرة دير ياسين إلى مجازره الجديدة في غزة والشيخ جرّاح والضفة.
* أن لا استفراد بجهة جغرافية فلسطينية، أو مدينة فلسطينية، أو فصيل فلسطيني.. ومقابلة ذلك بالفرجة أو الأدعية والابتهال، وإنما المشاركة في الفعل المقاوم وبكل الطاقات المتوافرة..
لكلّ هذا نرى انتفاضة القدس تخطّت حدود حي الشيخ جرّاح وباب العمود/ باب دمشق، وحي سلوان حتى شملت جغرافية الأرض الفلسطينية كلّها، وشملت جغرافية الحلم الفلسطيني كلّه أيضاً.
ونرى أيضاً عودة الإعلام العربي، وبعض الإعلام العالمي، كي يلتفّ حول معادلات الظلم والعدالة، والحق والباطل، والضحية والجلاد.. إلى حدّ النطق جهراً: أن كفى ظلماً للشعب الفلسطيني، وكفى جرياناً لدمه العزيز، وكفى فرجة على مجازره، وكفى لامبالاة بهذه المسرحية الشائنة التي امتدّ بها الزمن إلى ثلاث وسبعين سنة من القتل والتهجير والدمار اليومي، ونرى هذه المواقف السياسية، ومن جهات متعددة ومختلفة من العالم، وفيها الكثير من التعاطف مع مايحدث من بطولات فلسطينية، من حدود الصبر إلى حدود الاشتباك من مسافة صفر مع الجنود الإسرائيليين المدججين بمختلف الأسلحة، ونرى أيضاً توافد مندوبي الدول، وكثرة الرسائل والبرقيات والدعوات للتهدئة، والفلسطينيون يعرفون أن بعضها أو معظمها هي بإشارة من الكيان الصهيوني.
ونرى أيضاً هذه البسالة والمقدرة في التجدد من أجل وطن يتجدد داخل الذات الفلسطينية مع كلّ نَفَس شوقاً لمعانقة الحرية والعدالة في ظلال راية ألوانُها أربعة، وفي ظلال قسمٍ هاتفٍ: بلادي.. بلادي.
hasanhamid55@yahoo.com