خلدون قتلان: الدراما السورية بدأت تتعافى
في رصيد الكاتب خلدون قتلان العديد من الأعمال الدرامية المهمّة: “زهرة النرجس” إخراج رامي حنا و”البقعة السوداء” إخراج رضوان محاميد و”بواب الريح” إخراج المثنى صبح، وقد غاب عن الموسم الرمضاني الحالي وكان آخر عمل له هو “قناديل العشاق” عام 2017 إخراج سيف الدين السبيعي، وكان من المقرّر أن يصوّر في هذا الموسم مسلسل “جوقة عزيزة”، إلا أن مخرج العمل سيف الدين السبيعي قرّر مع الشركة المنتجة بدء التصوير بعد رمضان لأن أحداثه تدور في الصيف وسيكون من الصعب والمرهق تصويره في فصل الشتاء.
*إلى ماذا تعزو سبب غيابك عن الموسم الدرامي الرمضاني؟.
**إلى تعثّر عجلة الصناعة الدرامية بسبب الحرب وتوقف عدد كبير من شركات الإنتاج عن صناعة أعمال سورية بالكامل.
*ما هو تقييمك ككاتب بالدرجة الأولى للمشهد الدرامي السوري الحالي؟.
**رغم تعثّر بعض الأعمال هذا الموسم إلا أن الوضع مبشّر، فهناك أعمال تحقق نجاحاً، ويمكننا القول إن الدراما السورية بدأت تتعافى.
*رغم ما تتعرض له أعمال البيئة الشامية من انتقادات مازالت الأكثر إغراء للشركات والمخرجين كما شاهدنا في الموسم الرمضاني، فما هي الأسباب برأيك؟.
**أنا ضد مصطلح “البيئة الشامية”، إذ ليس هناك حتى الآن عمل واحد قدّم البيئة الشامية التي أعرفها، فالأعمال التي نعرفها تروي حكايات بقالب شامي، وهذا هو الأصح، أما عن سبب الإقبال على هذه الأعمال فهو سحر المدينة، ويمكن القول إن دمشق ماركة تجارية مطلوبة في المحطات العربية نظراً لمتابعة الجمهور العربي لهذه الأعمال لما لدمشق في ذاكرته من مكانة كرسها الأساتذة الأوائل في بدايات صناعة الدراما السورية.
*كيف ترى واقع النقد الذي يواكب تقديم الأعمال الدرامية اليوم؟.
**لا أعتقد أن لدينا نقاداً وإنما لدينا صحافة مجتهدة وصحفي يأخذ دور الناقد، فالناقد الحقيقي هو شخص قام بدراسة النقد ويحمل المبضع ويقوم بتشريح النص والأداء والإخراج والموسيقى ويحدّد نقاط الضعف ونقاط القوة، وينقل للجمهور ما عجز عن فهمه -إن وجِد- ويساهم بوجهة نظره في رفع السوية الدرامية، ولا أحد عندنا يفعل ذلك بمعناه الحرفي وإنما يجتهد، والاجتهاد قابل للصح والخطأ.
*أي مخاض تعيشه درامانا حالياً؟ وهل تتوقع أن ينتهي لوضع أفضل لدرامانا؟.
**طالما أن الوضع في طريقه إلى الانفراج فالاهتمام بالمنتج الدرامي السوري سيعود، وأعتقد أن التحدي الحقيقي قد بدأ هذا الموسم، وعلى صُنّاع الدراما النظر إليها كمنتج بحاجة إلى التطوير الدائم، وخاصة بعد التوجّه إلى العرض على المنصات الرقمية مما سيؤدي إلى تزايد الطلب على النص أولاً، وهذا ما يدعو إلى التفاؤل، خصوصاً وأن الشركات المنتجة قد بدأت التمييز بين النص الجيد والنص الرديء.
*يقال إن الفجوة كبيرة بين واقع الدراما العربية وما وصلت إليه هذه الصناعة، فما السبيل إلى ردم هذه الفجوة؟.
**التعامل مع الدراما على أنها صناعة سيتوقف ما لم يتمّ تطوير جميع أدواتها.
*ما هو دور شركات الإنتاج العربية في حرف الدراما السورية عن مسارها المأمول؟.
**استخدام مصطلح “شركة” يكفي للدلالة على أن هناك صناعة تُنجَز، فإذا توقف رأس المال العربي عن الاستثمار في قطاع صناعي معيّن فلا تقع عليه المسؤولية، وإنما تقع المسؤولية على رأس المال السوري الذي لا يستثمر في هذا المجال. لدينا مشكلات كثيرة ضمن هذا القطاع، أهمها عدم وجود محطات سورية خاصة تشجّع رأس المال السوري على دخول هذه الصناعة.
*تؤكد في أحد حواراتك أنك لستَ من أنصار دراما الواقع، فما هي الأخطاء التي وقعتْ فيها تلك الأعمال التي حاولت أن تنهل من الواقع؟.
**خلال السنوات الأخيرة توقفت محطات كثيرة عن شراء المنتج الدرامي المعاصر والذي يحمل للجمهور العربي الحالة التي يسمعها ويراها في نشرات الأخبار، ففقدت الدراما السورية بريقها بالنسبة للمشاهد العربي، وظهرت الأعمال المشتركة لتغطي النقص الحاصل في السوق الدرامية، وبالنسبة لي كان لا بد من الابتعاد عن كتابة أعمال تحاكي الواقع كونها غير مطلوبة، واتجهت إلى الأعمال التاريخية التي تحاكي المرحلة، وأعتقد أنه في المواسم القادمة سيعود هذا النوع إلى المنافسة إن توفرت له الظروف المناسبة.
*كيف تفسّر غياب الأعمال التاريخية بعد أن شهدت ازدهاراً في فترة من الفترات؟.
**الدراما التلفزيونية محكومة بسوق عرض وطلب، ومع ظهور الثورة الرقمية ووصول الأعمال العالمية الضخمة إلى الجمهور العربي، وأخصّ منها التاريخي أو الأعمال التي لبست ثوب التاريخ، سيبدو أي عمل تاريخي تقدمه درامانا مضحكاً إن لم توفر له كل الإمكانيات المطلوبة للظهور بمظهر محترم، فالعمل التاريخي مكلف جداً.
**تقول: “لم أوثق كل أعمالي تاريخياً، ولا أحب ذلك، فكيف ينجح الكاتب في تقديم معادلة طرفاها ما هو تاريخي وما هو درامي؟ وما هي حدود الاجتهاد الدرامي للكاتب؟.
**في الأعمال التاريخية التاريخ هو البطل، والشخوص هم أشخاص يدورون في فلكه فيتأثرون بكل أحداث المرحلة التي يتناولها العمل، وتكون مهمّة الكاتب خلق شخوص ونسج حكاية تدور أحداثها في التاريخ المطلوب، فينقلها للمتلقي بشكل يقنعه بأنها عاشت تلك المرحلة، وتكون حدوده عدم التلاعب بحدث حقيقي وتاريخي موثق، إلا إذا كان هناك خلاف تاريخي على حادثة ما، فيعرض وجهة نظره لما حدث ويجب أن يصرح بذلك.
*وما تفسيرك لتعثّر الأعمال الكوميدية السورية؟ وإلى أي كاتب تحتاج برأيك؟.
**للكوميديا أنواع، وأعتقد أن عدم فهمنا لها هو سبب التعثّر، فهي تحتاج لكاتب بارع ملمّ بأنواعها وقادر على انتزاع الضحكة على الورق أولاً.
*سبق وأن قلتَ: “أعظم الصعوبات التي تواجه الكاتب الدرامي الحقيقي هي غياب المشروع الفني” فأي مشروع تقصد؟.
**عندما لا يكون هدف الدراما تنويرياً ويقتصر على الترفيه الخاوي من أي معنى تنحرف عن مسارها ويضيع المشروع الفني الذي يُبنى على فكرة التنوير، فالدراما هي مرآة المجتمع، والفنون بشكلها العام هي معيار لتقدم الأمم، وعندما تُصدّر دراما ما تاجر مخدرات كبطل قومي، واللص والمحتال على أنه شخص ذكي ومميّز يكون المشروع الفني التنويري متوقفاً تماماً، ويكون الهدف هو العمل فقط دون الاهتمام بالمضمون مما يؤدي لانحدار المجتمع المتلقي لهذا الدراما، وكما يعلم الجميع الدراما التلفزيونية تؤثر في العقل الجمعي للمجتمعات.
*يتفق الجميع على أن الكاتب الدرامي هو أساس صناعة الدراما، فكيف ترى واقعه؟.
**واقع الكاتب الدرامي السوري مزرٍ جداً، فقانون حماية الملكية الفكرية موجود لمن يعرفه فقط، بمعنى لا يوجد تنسيق بين وزارة الثقافة حيث نقوم بإيداع النص لحماية حقوق الملكية الفكرية ووزارة الصناعة حيث يقوم الكاتب بالتنازل عن نصه في غرفة صناعة السينما والتلفزيون والتي مهمتها حماية المنتج لا الكاتب، وفعلياً الكاتب الدرامي السوري غير معترف به من قبل أي وزارة أو نقابة، فنحن نكافح وحدنا ونُهزم وحدنا وننتصر وحدنا، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية النهوض بالدراما، وما زلنا نتقاضى أقل الأجور.
*سبق وأن أعلنتَ عن تعرّض نصوصك للسرقة، من هي برأيك الجهة التي يجب أن تكون مسؤولة عن حماية الكاتب؟.
**الجهة التي تقوم بحماية النص، ومن المفترض أن تكون المسؤولة عنه هي وزارة الثقافة، ولو لم أكن قد قمت سابقاً بحماية نصوصي في دائرة حماية الملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة لما كنتُ تمكنتُ من مقاضاة أحد.
*تعاملتَ مع كبار المخرجين، فمن هو المخرج القادر على تقديم صياغة فنية عالية المستوى للنص؟.
**عندما يكون النص قوياً سيكون من السهل على أي مخرج نقله بصرياً في حال توفرت لديه كافة العناصر الفنية اللازمة لإنجاح العمل، والنص ذو الشخوص المحبوكة بشكل جيد يفتح شهية المخرج لصناعة مادة بصرية جيدة جداً، ويبقى القادر على تقديم صياغة فنية عالية المستوى هو ذاك المخرج الذي يقوم دائماً بتطوير أدواته.
*مشاريع كثيرة لك سبق وأن أعلنتَ عنها، فلماذا لم ترَ النور؟.
**لكل مشروع سبب، ومعظم الأسباب متعلقة بشركات الإنتاج.
*أي مشاريع لديك اليوم؟.
**أنا في المراجعة الأخيرة لنص “جوقة عزيزة” الذي ستنتجه شركة غولدن لاين، ومن المفترض أن يبدأ التحضير له قريباً تحت إدارة المخرج سيف الدين السبيعي.
أمينة عباس