ثقافة

الأب سعادة اليازجي: الفترة القادمة ستكون فترة مصالحة وتسامح وإعادة بناء

محاضرة شيقة ألقاها الأب سعادة اليازجي تحت عنوان “فتنة 1860 في سورية وإسقاطاتها على الواقع العربي الراهن” وذلك في ثقافي كفرسوسة قدم اليازجي من خلالها قراءة في التاريخ مسقطاً إياها على ما نعيشه اليوم، الجميل في المحاضرة هو الجمهور المنوع من رجال الدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء، والأجمل هو بدؤهم للمحاضرة بتلاوة الصلاة جنباً إلى جنب على أرواح شهدائنا الأبرار والأمل بعودة سورية أرض المحبة والسلام والإخاء إلى سابق عهدها، هذا الحضور المتنوع للجمهور عكس بصدق حقيقة المجتمع السوري وأكد جماليته وخصوصيته.

نموذج وحدوي
ونوه اليازجي بأن المحاضرة فعل شكر من قبله باعتباره حفيد لشخص أنقذ على يد الأمير عبد القادر الجزائري أولاً وأخيراً واعتبر نفسه ممثلاً لجميع السوريين أولاً وللمسيحيين ثانياً فما حدث في عام  1860 وما قام به رجال الوطن العظام من المشايخ وأهل الميدان والعقلاء والأمير عبد القادر الجزائري عندما أوقفوا دفقاً استعمارياً كان ينوي الاستيلاء على سورية وأخرّوه إلى 1920 ولم يسمحوا له بتقسيم البلاد هو نموذج عن الوحدة الوطنية فهم أوقفوا المؤامرة في البداية وفيما بعد أعادوا البناء.

فتنة برعاية عثمانية
بعدها عاد اليازجي بنا إلى أحداث فتنة عام 1860 في لبنان وامتدادها إلى سورية معطياً بعض الإضاءات حولها، مؤكداً أن تلك الفتنة كانت برعاية الدولة العثمانية والدول الاستعمارية الغربية تلك الدول التي وضعت المخططات للدراويش ،كما وصفهم اليازجي، ليموتوا دون سبب من خلال زرع الفتنة بين مكونات الشعب المختلفة في سورية وكان الهدف ضرب الاقتصاد السوري الذي كان يعيش مرحلة انتعاش خصوصاً صناعة الحرير والمنسوجات التي اشتهرت بها دمشق.

ممارسات الفرنسيين
وقرأ الأب سعادة خلال المحاضرة بعضاً مما جاء في كتاب الشيخ محمد سعيد الأسطواني عن حقيقة ما حدث في تلك الفترة حيث كان الفرنسيون يداهمون البيوت بحجة البحث عن الأموال المسروقة وكذلك فرضوا “السخرة” أي الخدمة العسكرية على الشباب أو دفع البدل النقدي كما جلبوا الجيوش إلى دمشق ووجهوا حملاتهم على كافة المناطق وأصبحت الإعدامات بالجملة بدون أي سبب كما وأجبروا المسلمين على ترك بيوتهم في محاولة لزرع الفتنة بينهم وبين المسيحيين. وتحدث اليازجي بتأثر كبير عن والد جده الذي قتله الفرنسيون مشيراً إلى أنهم قتلوا المسيحيين على الرغم من ادعائهم أنهم جاؤوا للدفاع عنهم، ولم ينس اليازجي أدوار الدول الاستعمارية الأخرى وتحدث عن الدور الصهيوني عندما قاموا بذبح البابا وخلط دمائه بالخبز وهي عبارة عن عبادة شيطانية لا يقبل بها أي دين من الأديان.
الجزء الأكبر من المحاضرة خصصه اليازجي للحديث عن دور المشايخ والعقلاء في وأد الفتنة ومنهم الأمير عبد القادر الجزائري الذي فهم التكتيك الفرنسي في زراعة الفتنة فعندما دخل الفرنسيون الجزائر دخلوها بحجة أنهم مسيحيون، لكن عبد القادر بفكره النير فهم ألاعيبهم و أدرك أنه لا توجد علاقة بين مسيحيي الجزائر وبين خطط الفرنسيين.

التاريخ يعيد نفسه
والواقع اليوم كما يراه سعادة هو أن التاريخ يعيد نفسه والدول التي شاركت في فتنة 1860 تشارك الآن وأن فرنسا اليوم لها الدور الأكبر مؤكداً أننا يجب ألا نسمح للأزمة التي نمر بها أن تستمر أكثر من أيام فتنة 1860 التي استمرت خمسة أيام وكانت بدايتها في لبنان. واستند اليازجي إلى الكتاب المقدس ليؤكد أن الكتاب يذكر أننا قاب قوسين أو أدنى من تغييرات جذرية ومن نهاية الأزمة، معتبراً أن الفترة القادمة ستكون فترة مصالحة لا تعني فقط إلقاء السلاح بل المسامحة وإعادة البناء كما حدث في باب توما التي دمرت وعمرت من جديد، متمنياً أن يأتي اليوم الذي تعتذر فيه تلك الدول عن إساءتها لسورية واستعباد أرضها وشعبها مئات السنين وموجهاً التحية لرجال الدين الذين لعبوا دوراً بارزاً في وأد فتنة اليوم التي حاولت الدول الاستعمارية تمريرها على سورية لتحقيق مصالحها، مؤكداً أن الله لن يترك سورية لأنه يعلم من فيها من الصالحين وأن دمشق ستستقبل المهدي والمسيح عليهما السلام ليزرعا المحبة والسلام ليس في دمشق فقط بل في العالم أجمع.

صورة تليق بسورية
وقد تخلل المحاضرة مجموعة مداخلات أكدت معظمها على أهمية أن نعيد قراءة التاريخ وندرس حوادث عام 1860 وأسبابها لنعرف دور الدول الاستعمارية آنذاك ودورها في الأزمة الحالية التي نعيشها وقد تحدثت الدكتورة أيسر ميداني في مداخلة لها عن دور فرنسا كرأس حربة فيما يجري اليوم في سورية ومحاولاتها للعودة إلى سورية بعد اكتشاف النفط والغاز فيها، وأشارت إلى سعيها مع آخرين إلى توثيق الجرائم التي ارتكبت في سورية. ورأى الشيخ محمد العمري رئيس لجنة المصالحة في مخيم اليرموك أن اللقاء وتنوعه هو صورة حقيقية للمجتمع السوري الذي يعتبر باقة عظيمة لطيف واحد متعدد الألوان يليق بسورية العظيمة.
لوردا فوزي