مجلة البعث الأسبوعية

.. من الجزء الشمالي لفلسطين!..

د. مهدي دخل الله

« يبدو الوطن العربي كله محتلا ما عدا فلسطين »…

جملة «مفيدة جداً» قالتها إحدى الصحفيات اللبنانيات تعليقاً على ما يحصل في فلسطين.. وكي نكون منصفين لابد من إضافة : وسورية ولبنان..

تصوروا لو أن “ربيع الإرهاب” انتصر في سورية.. لكانت الصهيونية حققت أكبر نصر على الإطلاق منذ عام 1948، ولانتهى عملياً شيء اسمه عرب.. وطن عربي.. دول عربية.. إلخ.

هناك منطق كادت التطورات أن تنسينا إياه، وهو أن فلسطين هي جزء جغرافي تاريخي من «أرض الشام»، وأن هذه الأرض هي الكيان العربي الوحيد الذي قسمه الاستعمار، واختطف جزءاً غالياً منه اسمه فلسطين.. أحد الصحفيين الأمريكيين سأل القائد الراحل حافظ الأسد :

«أما زلت تعتقد أن فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية ؟؟». أجابه فوراً : «لا.. بتُّ أعتقد أن سورية هي الجزء الشمالي من فلسطين».

هي لغة الأرض وليست لغة السياسة. هي لغة الكيان الوجودي، فالشام كنانة العروبة ولا عروبة بلا كنانة..

الحديث هنا عن الوجود بمضامينه كلها وليس عن بناء دولة ذات حدود سياسية واضحة. فلسطين هي الشام وجودياً بغض النظر عن مفهوم الدولة، فقد يفرض الواقع دولاً مستقلة ذات سيادة على أرض الشام، لكن هذا لا علاقة له بالمضمون الكياني، الوجودي، للبشر والأرض في هذه المنطقة من العالم..

واليوم، يبدو فعلا أن الوطن العربي محتل ما عدا فلسطين وسورية.. وهناك أيضاً لبنان الشام الذي حررته المقاومة، فكان أول تحرير دون توقيع، وأول تطبيق للقانون الدولي (القرار 425 المتعلق بجنوب لبنان) ببندقية المقاومة وسورية..

هذا حديث لا علاقة له بالسياسة.. هو حديث عن الحقائق الواقعية الصمّاء، وهي حقائق لا علاقة لها بالمرونة والاحتمالات كالسياسة. إنها وجود فيزيائي وثقافي ونفسي.. وجود كياني!..

كل عاقل يعلم أن شارع فلسطين الثائر هو امتداد طبيعي للتصدي السوري.. كما التصدي السوري مقدمة وامتداد لشارع فلسطين، والمشكلة واحدة.. إنها مشكلة وجود مشترك..

هناك منطق آخر تعرفه حركات التحرر، وهو أنه كلما ضاقت دائرة المقاومة ازداد تركيزها وتأثيرها. إن أول انتصارات حقيقية على العدو تحققت في جنوب لبنان عندما كانت المقاومة وسورية وحدهما، دون توازن دولي ولا اتحاد سوفييتي ولا تضامن عربي ولا حركة عدم الانحياز. اليوم الدائرة يزداد تركيزها حيث ينتصر السوريون والفلسطينيون في أرض الشام لأنهم وحدهم دون اعتماد على «دائرة موسعة من الداعمين العرب» ، بالعكس بل إن سياسات عربية تمول السلاح وتوجه جهودها ضد سورية وفلسطين…

الدائرة الواسعة تكون دائماً مرتبكة، مليئة بالضغوط، والتهدئة، والمرونة، وضبط النفس، وما إلى ذلك من «فلسفات التخدير»، دائرة التصدي اليوم أضحت أضيق، لكنها أكثر تركيزاً.. سورية منذ عام 2011 تخوض هذه التجربة، وكانت “شقيقاتها العربيات” تمول الإرهاب فيها، أو تقف في طابور «النأي بالنفس». تصدت سورية وحيدة حتى نهاية عام 2015، أي خمس سنوات تقريباً، ولم نطلب عون روسيا إلا بعد احتلال أمريكا لأجزاء من أرضنا!. ولم تحتل أمريكا أرضنا إلا بعد أن اكتشفت فشل المرتزقة الإرهابيين ومن يمولهم.