دراساتصحيفة البعث

الإرهاب المحلي في أوروبا

محمد نادر العمري

شهد الربع الأول من العام 2021، وللعام الثالث على التوالي، زيادة في عدد من تمّ إلقاء القبض عليهم في بريطانيا بتهم إرهابية من البيض، وذلك حسب تقرير وزارة الداخلية البريطانية الصادر في شهر نيسان الماضي. فقد وصل عدد البيض الذين أوقفتهم الشرطة بتهم اعتداءات إرهابية في العام الماضي 2020 إلى 89 شخصاً، مقابل 73 مشتبهاً به من الجاليات الآسيوية، و15 متهماً من ذوي الأصول الأفريقية، و18 من أقليات أخرى.

وهكذا بلغت نسبة البيض الأوروبيين من بين المقبوض عليهم في تهم إرهاب في بريطانيا 48 في المئة، بزيادة 7 في المئة عن العام 2019، بينما انخفضت نسبة المشتبه بهم من أصول آسيوية إلى 34 في المئة بأقل 5 في المئة عن العام 2019.

تلك الزيادة المطردة في نسبة “الإرهاب الأبيض” في السنوات الأخيرة ليست قاصرة على بريطانيا، ولا شك أنها اكتسبت زخماً من سنوات حكم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للولايات المتحدة منذ عام 2016. فبعد أحداث اقتحام مبنى الكابيتول، الذي يضمّ مجلسي الكونغرس في العاصمة واشنطن، في 6 كانون الثاني الماضي، بدأت السلطات الأمريكية تتحدث علناً عن الإرهاب المحلي، وهو أيضاً إرهاب أبيض من المتطرفين اليمنيين.

صحيح أن الإرهاب الأبيض موجود في أمريكا وغيرها من قبل، لكنه تصاعد مع صعود اليمين الشعبوي للسلطة عبر الأطلسي من أمريكا إلى إيطاليا، وشجع ذلك جماعات متطرفة تتبنى العنف في المجتمعات الغربية على توسيع نشاطها واقتحام المجال العام وكأنها “قوة سياسية”، بالضبط كما حدث مع جماعة “الإخوان المسلمين” الإرهابية.

تزامن صدور الأرقام البريطانية مع تطور آخر في ألمانيا، فقد قامت الاستخبارات الداخلية الألمانية بوضع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف تحت مراقبة الشرطة، معتبرة أنه “ضاعف انتهاكاته للنظام الديمقراطي”، وتلك درجة أقل من اعتبار تلك الجماعة منظمة إرهابية لكنها محلّ شك قويّ في ارتكابها أعمالاً إرهابية.

أغلب تلك الجماعات في الغرب ترفع شعار معاداة المهاجرين، لكن نشاطها أوسع ويصل إلى العنصرية الفجة تجاه غير البيض عموماً، وتتعدّد مسميات وأوصاف تلك الجماعات: اليمين المتطرف، النازيون الجدد، عصابات تفوق البيض.. الخ. لكنها في النهاية تشترك في خصال مثل العنصرية المتطرفة والعنيفة واستهداف مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى وتخريب السلم الاجتماعي وتجاوز الديمقراطية ومؤسساتها. وهم في النهاية “ضد المؤسسة”، بالضبط كما كانت سياسة ترامب على مدى أربع سنوات في الحكم.

لا شك أن صفة “النازيين الجدد” تضرب وتراً حساساً في الغرب، إذ تعيد إلى الأذهان سنوات مظلمة من حكم النازية والفاشية في أوروبا، والمثير للدهشة أنك تجد أحفاد ضحايا الفاشية والنازية بين صفوف النازيين الجدد من جماعات الإرهاب الأبيض، بل ويزايدون على البيض الآخرين، والأكثر غرابة أن تجد مهاجرين وأبناء أقليات مضطهدة وتعاني التمييز ضدها بين تلك العصابات اليمينية المتطرفة، وأحياناً يكون هؤلاء “ملكيين أكثر من الملك” في معاداتهم للمهاجرين والملونين (من أقرانهم) والأقليات العرقية والدينية الأخرى. الفارق الآن أن تلك الجماعات أصبحت تشكّل تهديداً إرهابياً لمجتمعاتها وخطراً على النظام بشكل عام، وهذا ما جعل الدول الغربية الرئيسية تركز اهتمامها على الإرهاب المحلي (الأبيض)، وليس فقط على الإرهاب الآتي من الخارج.

طبعاً لا يعني ذلك أن خطر الإرهاب الخارجي انتهى، إنما أصبح الإرهاب الداخلي ملفتاً للانتباه كذلك. ولا عجب، فهما وجهان لعملة واحدة جذرها التشدّد والتطرف الذي ينتهي بالإرهاب والعنف.

ولعلّ في هذا الصعود لخطر الإرهاب الأبيض ما يجعل الغربيين يدركون خطر ما يريدون فرضه علينا بحجج الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وغيرها من شعارات الوعظ الغربي التي تشعرهم بالتفوق الأخلاقي المزيف، فالتساهل مع التطرف في الرأي والتشدّد العنصري يقود بالضرورة إلى العنف والإرهاب وضرب السلم والأمن وتخريب المؤسّسات والنظم.

وهذا ما نراه في دعوات القبول بالإخوان مثلاً ضمن “النظام” على اعتبار أنهم “معتدلون”، فقد مرّت بعض الدول العربية بكل تلك المراحل ورأينا جماعاتهم الإرهابية من “الجماعة الإسلامية المسلحة” إلى “القاعدة وداعش”. وها هي جماعات “الألتراس” اليمينية تثير الفوضى العنيفة في إرهاب أبيض يشيع الخوف في مجتمعات الغرب.

هناك فارق بين حرية الرأي والتسامح الديمقراطي والأفكار العنصرية المتطرفة، ولعلّ أوروبا لا تنسى أن هتلر وصل إلى حكم ألمانيا بانتخابات ديمقراطية حملته إلى السلطة.