المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر تواجه محدودية سقوف التمويل
دمشق- فاتن شنان
لا تزال عجلة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة تسير بخطا بطيئة لا توازي الدعم والتسهيلات المقدّمة الهادفة لتطوير هذا القطاع وتنظيمه وحصاد نتائجه في رفد الاقتصاد الوطني، ورغم حصر قرار التمويل بها وإقصاء المشروعات الكبيرة لتحظى بكامل الكتل المالية القابلة للتوظيف في المصارف العامة والخاصة، إلا أن هناك ما يعيق نموها وتطور مشاريعها، ولطالما تصدّر التعامل المصرفي والمماطلة والتقييد والتدقيق غير المبرّر والمزاجية في المنح أو الموافقة ودراسة الملفات مسارها، ولكن أحياناً يتمّ تجازوها بطرق باتت واضحة نوعاً ما للجميع- لسنا بصدد الحديث عنها، ولكن من حيث المبدأ يبدو أن هناك أسباباً تحول دون دخول الراغبين هذا المعترك أصلاً رغم الحاجة لتمويل مشاريعهم.
في البداية قد يشكّل مصرف التسليف الشعبي وجهة ذوي الدخل المحدود في تمويل مشاريعهم متناهية الصغر كونهم اختبروا تعامله في قروضهم، وألموا بتفاصيل السقوف والفوائد والاقتطاع، ولكن حتى اليوم لم يصدر المصرف التعليمات التنفيذية الناظمة لعملية التمويل، وحسب مصادرهم يتمّ العمل على دراستها ووضعها موضع التنفيذ وقد يستغرق الأمر شهراً أو أكثر، في حين دخلت المصارف العامة الأخرى سباق التمويل لكنها لم تحرز نتائج مهمّة.
يبدو أن هناك مشاريع عدة في بعض القطاعات نمت حجوم موجوداتها بفعل التضخم الحاصل، فخرجت وفق المعايير المعتمدة في القرار آنف الذكر من مشاريع متوسطة إلى كبيرة، ومشاريع أخرى نشطت مبيعاتها السنوية فبلغت أرقاماً كبيرة وكذلك لحقت بنظيرتها وحرمت من التمويل، وبالتالي وبحسب ما بيّنه مدير عام المصرف الصناعي الدكتور عمر سيدي أن الإشكالية تكمن في سقوف المنح المحدّدة بـ500 مليون، فالمصرف لديه طلبات لمشاريع ترغب بالتمويل، ولكن حجم الأصول أو الموجودات تجاوز السقف المحدّد، وبالتالي لا يستطيع المصرف تمويلها، ورغم قلة عددها إلا أن القرار حرم تلك المشاريع.
ملبٍ أم لا؟
ثمة مشاريع مصنّفة متوسطة أو صغيرة، ولكن التضخم الحاصل أخرجها من دائرة التمويل، وعلى الرغم من لحظه في القرار بنسب معينة، إلا أنه أصبح غير كافٍ لدى تحديد السقوف، في الضفة المقابلة هناك فئة من المشاريع أيضاً خرجت من مظلة التمويل نتيجة صغر حجمها وضعف إمكانيات أصحابها كونهم لا يستطيعون تأمين ضمانات عقارية -لزوم القرض- وفي الغالب هؤلاء لا يملكون عقاراً يقدمونه كضمانة للمصرف لتغطية القرض كالمهن الصغيرة والحرف التقليدية والتي تشكل معظم مشاريع المواطنين متناهية الصغر، وبالتالي إن وجدت لديهم ضمانة بقيمة 15 مليوناً على سبيل المثال فسيقوم المصرف بمنح قرض بنسبة 50% من قيمة الضمانة أي ما يعادل 7.5 ملايين ليرة، وبالتالي القرض كقيمة مالية سيكون غير كافٍ لتوسيع نشاط المنشأة أو شراء مستلزمات جديدة للمشروع في ظل ارتفاع الأسعار، إذ تضاعف سعر آلات إلى عدة أضعاف وبالتالي سيكون القرض عبئاً على المقترض وليس مساهماً!.
حاجة فعلية
كحل مجدٍ يبدو أنه من الضروري تحديد المشاريع متناهية الصغر بمعايير أكبر من تلك المعتمدة ليستفيد أصحابها من القروض الموجهة لهم من كافة المصارف العامة وكونها شريحة واسعة وتتصدّر أولويات الحكومة، وبالتالي يمكنها المساهمة في ارتفاع نسب التوظيفات في المصارف، أو الانتظار لحين تأسيس مصارف التمويل الأصغر المختصة بتمويل تلك المشاريع وبالتالي هدر المزيد من الوقت. في حين أكد سيدي أن المصرف الصناعي تجاوز جزءاً من تلك الإشكالية بالاتفاقية مع مؤسسة مخاطر القروض والتي تهدف إلى دعم من يرغب بالتمويل ولا يملك ضمانة كافية للمبلغ المطلوب، فيتمّ تحويل طلبه إلى المؤسسة بعد دراسته بشكل وافٍ وتحديد المبلغ المستحق فعلياً، مع الإشارة إلى أن الكثير من الطلبات المقدّمة للمصرف تطلب تمويلاً كبيراً، ولكن بعد الدراسة المصرفية لا تحظى بالموافقة على المبلغ المطلوب بل على ما يتمّ تحديده من قبل المصرف وإن كانت ضمانته العقارية كبيرة وكافية لما طلبه، مبيناً أن صرف قرض يفوق حاجته الفعلية يعرّض المقترض للتعثر حكماً ويفسح المجال لتسييل الأموال في نشاطها الرسمي المعلن عنه.
الأرض ليست الهدف
أصحاب المشاريع متناهية الصغر طالبوا بأن يكون المشروع نفسه هو ضمانة القرض، ليستطيعوا النهوض بمشروعاتهم، وتجاوز إشكالية الضمانة العقارية، ورغم الترويج لذلك في المصارف، ولكن لدى التنفيذ لا يتمّ العمل على هذا الأساس بل يطلب المصرف ضمانات أخرى غير المشروع أو الأرض المقام عليها المشروع، وهنا أوضح سيدي أن المشروع هو ضمانة، ولكن في حال عدم كفايته يطلب منه ضمانة إضافية، وأن الأرض المقدمة ليست المشروع إنما هي أساس لتقام عليها المنشأة، وبالتالي إن قدمت الأرض كضمانة ولم ينفذ المشروع فلن يمضي القرض لغايته، وليس الهدف حيازة المصرف للأرض من مالكها بل إقامة وتوسيع المشاريع الإنتاجية، كما لفت إلى إشكالية أخرى وهي تقلبات أسعار الأراضي، إذ قد تشهد أسعارها ارتفاعات سعرية في فترة ما، وبالتالي منح القرض بموجب قيمتها الحالية قد يعرض المصرف لخسارة حتمية لاحقة، ولاسيما أن الأسعار حالياً في صعود مستمر ولكن خلال الفترة اللاحقة قد تعود لسعرها الطبيعي، وبحسب المعايير المصرفية العالمية لا يجب القبول إلا بضمانات عقارية مشيّدة في المدن، ولكن في سورية يتمّ تجاوز الأمر لتشجيع الاستثمار والإنتاج رغم أنه يكتنفها العديد من الإشكاليات القانونية كعقد حكم محكمة أو غير مفرزة أو هناك مخلفات وانزياحات نحو أملاك الدولة، وهو السبب الرئيسي في تعثر القروض سابقاً وسجلت نسب التعثر نحو 300%، ولكنه شدّد على أن القروض الممنوحة من عام 2018 ولغاية الآن آمنة جداً ونسب التعثر فيها لا تتجاوز في أحسن أحوالها 2% فقط.