في مواعيدها الدستورية
أوحى الإعلام الغربي في سياق حرب التضليل وغسل العقول أن سورية دولة فاشلة غير قادرة على تنظيم وإجراء أي عملية انتخابية دون إشراف مباشر من منظماته ومؤسّساته المشبوهة، وجزم بأن الانتخابات وقبل أن تجري ستكون غير نزيهة، أي شكك بمصداقيتها مسبقاً، وكأنه وصيّ على سورية وعلى أي دولة لا تدور في فلكه وتأتمر بتوجهاته وسياساته وهيمنته الكاملة!.
ولكن سرعان ما سقط هذا التضليل الإعلامي في الساعة الأولى من عمليات الاقتراع لانتخابات الرئاسة في السفارات السورية التي شهدت إقبالا أزعج، بل أغضب، كل محور أمريكا المعادي لسورية.
معظم الإعلام العالمي الذي رافق عمليات انتخابات الرئاسة السورية في الخارج تحدث عن دقة تنظيم عمليات الاقتراع ورقيها، بما يوازي مثيلاتها في الغرب والشرق معاً، وهذا الأمر ليس بغريب ولا مستجد، فلدى سورية خبرة تمتد لعدة عقود في تنظيم الانتخابات تفوق خبرات معظم الدول على عكس ما تروّجه وسائل إعلام الغرب وأبواقه الإقليمية والعربية. والمسألة لم تكن يوماً في أساليب وشكل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في سورية، والتي واكبتها دائماً وفود برلمانية ووسائل إعلام كثيرة على اختلاف توجهاتها ومشاربها.
المسألة باختصار أن الغرب وتحديداً أمريكا غير مؤثر في الانتخابات التي تجري في سورية منذ خمسة عقود على الأقل، فسورية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتّع بالسيادة والإرادة الحرة، ولا تستجيب قيادتها لأي إملاءات خارجية، بل هي من الدول القلائل جداً في العالم التي قالت ولا تزال تقول (لا) لأمريكا، ولأي دولة تستهدف بخططها المنطقة العربية، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ولعلّ السؤال الذي يُغضب الغرب الاستعماري هو: كيف يمكن لبلد مثل سورية أن يُجري انتخابات برلمانية ورئاسية في مواعيدها الدستورية على مدى نصف قرن تقريباً دون أي تدخل خارجي؟
والذي أغضب الغرب أكثر فأكثر قيام سورية بتنظيم انتخابات رئاسية في عام 2014 وثلاث انتخابات برلمانية (2012- 2016- 2020) في خضم أشرس وأقذر حرب إرهابية عليها شاركت فيها جميع دول الغرب المعادية ومعظم أنظمة الدول (العربية) العميلة لدى الأمريكان.
نعم.. سورية الدولة الوحيدة في العالم التي حرصت، بل وأصرّت خلال حرب عالمية عليها تجاوز أمدها العشر سنوات، وتخضع لأقسى العقوبات والحصار، على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مواعيدها الدستورية بحضور وفود من دول صديقة ووسائل إعلام مختلفة، بما فيها التابعة لحكومات مشاركة بسفك الدم السوري.
ربما.. كان الرهان الأخير للأمريكان تأجيل الانتخابات الرئاسية وقبلها البرلمانية لاعتقادها أن ما لم تستطع تحقيقه بالحرب والعقوبات ستحقّقه من خلال اللجنة الدستورية، أي إنجاز دستور على قياس معارضة عميلة ومأجورة، دستور يفتّت البلاد كما جرى في دول أخرى يجعل سورية خاضعة تماماً للنفوذ الأمريكي والصهيوني.
هل نُبالغ فيما نقول أم ماذا؟!..
عودوا إلى تصريحات الأمريكان وأنظمة الخليج وكل من يدور في فلك محور أمريكا، بل عودوا إلى تصريحات أقطاب وقيادات المعارضة العميلة منذ عام 2011 وتباهيها بعلاقاتها بإسرائيل، وأنها فور استلام السلطة ستنهي علاقة سورية مع روسيا وإيران والمقاومة وستبرم اتفاقاً دائماً مع إسرائيل تهديها فيه الجولان المحتل!.
والملفت أن بعضاً من هذه المعارضة لا يزال بانتظار انتقال السلطة إليه بسلاسة بمساعدة الأمريكان أسوة بما حصل في دول أخرى، فهو لا يزال يعيش خارج مجريات التطورات.
بعد كل ذلك لا نستغرب غضب الغرب والأمريكان من انتصار سورية في حربها على الإرهاب وصمودها في أشرس حرب اقتصادية وإعلامية تستهدف مجتمعها منذ أكثر من عشر سنوات. والانتخابات الرئاسية وقبلها البرلمانية في مواعيدها الدستورية ليست ترجمةً للانتصار والصمود، وليست ترجمةً لهزيمة محور أمريكا في المنطقة فقط، بل هي تعزيز وتأكيد لـ (لا) السورية التي تعني العزة والكرامة والسيادة.
بالمختصر المفيد: أثبتت التجارب أن الغرب لا يتعامل بنديّة إلا مع الأقوياء، هكذا تعامل مع الرئيس الخالد حافظ الأسد سابقاً، وهكذا سيتعامل مع الرئيس بشار الأسد خلال ولايته الجديدة، وستكون السنوات القادمة الدليل والبرهان على قوة سورية، وعلى عودتها الفاعلة – لا المنفعلة- في محيطيها الإقليمي والدولي.
علي عبود