دراساتصحيفة البعث

انقسام فرنسي من العدوان الإسرائيلي

ترجمة: هيفاء علي

للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، انقسمت المواقف السياسية بين اليمين واليسار، فبقدر ما انحاز اليسار بوضوح إلى الفلسطينيين، فقد وقف اليمين كرجل واحد وراء الكيان الإسرائيلي!.

وبحسب المحللين الفرنسيين، من بين الأسباب المحتملة لهذا الاصطفاف، أن هناك تماهياً بين الموقفين الفرنسي والإسرائيلي. كل شيء يحدث، في الواقع، كما لو كان الفلسطينيون، في أذهان مؤيدي اليمين، مندمجين مع السكان المهاجرين في فرنسا. علاوة على ذلك، فإن الفلسطينيين، مثل المهاجرين من فرنسا، أفقر من اليهود الإسرائيليين. هذه هي الحال أيضاً مع مجموعة سكانية أخرى، يتمّ تهميشها دائماً، وينظر إليها بعين الريبة وهم “مجتمع الرحالة”، حيث يُطلق عليهم ازدراءً “الغجر” أو البوهيميين.

هذا التماهي بين هؤلاء وبين فلسطينيي غزة هو أن “الرحالة” هم من البدو، وسكان غزة غالباً ما يعيشون في “المخيمات” كبدو. كما أن تحديد هوية الفلسطينيين بالمهاجرين أو المنحدرين من أصول فرنسية للمهاجرين هو أمر أسهل بالنسبة لليمين الفرنسي، لأنه من كلا الجانبين ينخرط الأفراد في أعمال عنف ضد غالبية السكان.

حقيقة، يتمّ توفير مثال على هذا التعريف من خلال عبارة صغيرة ولكنها كاشفة، حيث استحضر مذيع الأخبار التلفزيونية “لوران ديلاهوس” في راديو “فرانس 2” الجيش الإسرائيلي بقوله “تساهال”، لكن هذا الاسم ليس محايداً: إنه يكشف عن مشاعر المتحدث الإيجابية كما هو واضح.

وبالتالي، يبدو أن الأخبار التلفزيونية تعرض الاشتباكات بشكل متحيّز، ولا يبدو أنها تقف إلى جانب الحق. ومع ذلك، فإن هذا الفعل بحدّ ذاته قرار بالانحياز إلى جانب على آخر.

عند رؤية مبانٍ في غزة تتعرّض لقصف واحد (أو أكثر) من القنابل الإسرائيلية، وهي تنهار مثل أبراج مركز التجارة العالمي، لا يسع المرء إلا أن يعتقد أن هذه الصورة تفرح قلوب قراء المنصة المنحازة للكيان الصهيوني.

وعندما تتحدث إذاعة “فرانس 2” عن المتطرفين، من تقصد؟ وهل تعلم من هؤلاء المتطرفون في الحقيقة؟ هل يعرف مستمعو “فرانس 2” أن بلطجية يهود إسرائيليين يمينيين متطرفين يشنّون منذ عدة أسابيع مداهمات في مدينة القدس الشرقية؟. كل شيء يتمّ من خلال التقارير، بحيث يمكن للرأي العام الفرنسي (المشروط جيداً) أن يستنتج أن “التطرف” لا يمكن أن يكون إلا فلسطينياً!.

لكن هل يعرف مستمعو “فرانس 2” أنه من بين هؤلاء القائمين على الرعاية من اليهود والعرب في مستشفى حيفا، هناك إخوة ومتساوون، بعضهم “أكثر مساواة من غيرهم”؟ هل يعرفون أنه منذ عام 2018، تعتبر إسرائيل دولة للشعب اليهودي ولذاتها؟ هل يعرفون أن اللغة العربية لم تعد تعتبر لغة رسمية لدولة إسرائيل مثل العبرية؟ هل يعرفون أن المواطنين العرب في إسرائيل لا يؤدون خدمتهم العسكرية (المطلوبة للتقدم لوظائف معينة)؟ هل يعرفون أن لديهم أجوراً أقل في المتوسط وبدلات أقل، وأن البلديات التي يديرونها تتلقى إعانات حكومية أقل؟ هل يعرفون أنه إذا كان بإمكان أي يهودي في العالم أن يأتي ويستقر في إسرائيل، فإن العكس لا يمكن تصوره بالنسبة لعربي؟ هل يعرفون أنه إذا تزوّج عربي إسرائيلي من امرأة من الضفة الغربية أو غزة (أو العكس) فلن يُسمح للزوج أبداً بالحضور والاستقرار في القدس الشرقية؟ هل يعرفون أنه منذ عام 1948، على الرغم من أن 20٪ من سكان إسرائيل هم من العرب، لم يكن أي منهم رئيساً للجمهورية، أو رئيساً للوزراء، أو وزيراً للدفاع أو للشؤون الخارجية، أو رئيساً للموظفين؟ هل يعرفون أن كل هذه الأحكام تشكل فصلاً عنصرياً بحكم الواقع؟.