المحاكم تطال رؤساء فرنسا الفاسدين
عناية ناصر
قد يُنظر إلى الحكم على رئيس فرنسي سابق بالسجن على أنه محنة، لكن مثول الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أمام المحكمة بتهم فساد مختلفة يؤكد بؤس السياسة الفرنسية.
يمثل ساركوزي أمام المحكمة لمواجهة اتهامات بأنه وحزبه أنشأوا نظاماً نقدياً مزيفاً لإخفاء الإنفاق الهائل على حملته الفاشلة لإعادة انتخابه في عام 2012. وهناك اتهامات أخرى بارتكابه مخالفات أخرى قيد التحقيق. طعن ساركوزي في جميع الاتهامات واستأنف الحكم بالسجن 12 شهراً الذي صدر ضده في الأول من آذار الماضي لمحاولته رشوة قاضٍ في قضية أخرى ضده. وبغضّ النظر عن الصواب والخطأ في محاكمات ساركوزي، فإن محاكمته الآن تظهر عمق الأزمة في النظام السياسي الفرنسي.
لقد سبق لرئيس آخر هو جاك شيراك، أن أدين بالفساد بعد أن غادر الإليزيه. كذلك واجه خمسة من آخر ستة رؤساء وزراء فرنسيين من يمين الوسط تهماً جنائية من أنواع مختلفة، وتمت تبرئة اثنين هما إدوارد بالادور ودومينيك دي فيلبان، وأدين ثلاثة من بينهم شيراك.
أدين آلان جوبيه (رئيس الوزراء 1995-1997) في عام 2004 لمساعدة شيراك في اختلاس أموال دافعي الضرائب في باريس في الثمانينيات والتسعينيات. كما أدين فرانسوا فيون (2007-2012) العام الماضي بادعاء كاذب براتب برلماني لزوجته.
لا يقتصر الخطأ على يمين الوسط، ففي أواخر الثمانينيات، أدين مسؤولون كبار من الحزب الاشتراكي الفرنسي بابتزاز الأموال من أجل تمويل الحزب، ويجري التحقيق مع جان لوك ميلينشون الذي ينتمي إلى اليسار المتشدّد بزعم مطالبته بأموال مقابل “وظائف مزيفة” في البرلمان الأوروبي.
وإذا كانت الزعيمة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، لا تتوقف عن اتهام الأحزاب الأخرى بأنها فاسدة، إلا أنها خضعت منذ عام 2017 لتحقيق رسمي في مزاعم اختلاس 6.8 ملايين يورو من أموال الاتحاد الأوروبي. يقول تقرير للشرطة، تم تسريبه إلى جورنال دو ديمانش، إن الشرطة عثرت على أدلة دامغة على أن لوبان كانت في مركز نظام “احتيالي” لتزويد حزبها في باريس بمسؤولين يتمّ دفع رواتبهم ليكونوا مساعدين في البرلمان الأوروبي في بروكسل وستراسبورغ.
الملاحظ أن هناك قاسماً مشتركاً في هذا الكمّ من المخالفات، فهي تؤكد أنها لا تتعلق بالإثراء الشخصي، فحسب، بل إنها تتعلق بفرض النفوذ والطموح السياسي. لقد ظلت هذه الأنشطة غير مكشوفة من قبل الصحافة الفرنسية ولم يتمّ التحقيق فيها من قبل نظام العدالة الجنائية، وقد وصلت حداً جعل الرأي العام الفرنسي على قناعة بوجود فساد سياسي منظم.
يقول برونو جينبارت، نائب رئيس منظمة استطلاع الرأي: “وفقاً لاستطلاعنا، يعتقد نحو 75 بالمائة من الفرنسيين أن السياسة فاسدة”. لكنه قال إن الشعور العام بالفساد ساعد في تآكل للقوى السياسية الفرنسية التي كانت مهيمنة ذات يوم في يمين الوسط ويسار الوسط بشكل خاص.
في محاكمة “بغماليون” التي استمرت أربعة أسابيع، اتهم ساركوزي بالسعي لشراء فترة ولاية ثانية في عام 2012 من خلال إنفاق ما لا يقلّ عن 42.8 مليون يورو في حملته الرئاسية في الجولة الثانية، أي ما يقرب من ضعف الحدّ القانوني البالغ 22.5 مليون يورو. ووفق ما ورد تمّ إخفاء ذلك باستخدام فواتير مزيفة من شركات صديقة أو صورية (بما في ذلك شركة تدعى “بغماليون”).
لا تزال الاتهامات والاتهامات المضادة تجعل من الصعب اختيار مرشح رئاسي واحد من يمين الوسط لانتخابات العام المقبل. لذلك يعكس هذا الخلاف انقساماً أساسياً في يمين الوسط الفرنسي، بين جناحيه الليبرالي الأوروبي والقومي، والذي تمّ إخفاؤه لسنوات على يد زعماء أقوياء مثل شيراك وساركوزي، لكن للقيام بذلك، كان عليهم جمع الأموال لإنفاق مبالغ كبيرة من أجل السيطرة على قواهم السياسية ثم من أجل الحكم.
لقد بات الانقسام الأيديولوجي في يمين الوسط عميقاً، والكراهية الشخصية التي نجمت عن فضائح الفساد تزداد عمقاً، الأمر الذي قد يؤشر إلى موت حقبة في السياسة الفرنسية.