دوري السوبر الأوروبي بدعة جديدة وأدتها أطماع الاتحاد الأوروبي والشركات الراعية
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
أحدث الإعلان عن قيام بطولة جديدة للأندية في أوروبا سحابة سوداء أمطارها يمكن أن ترتقي لمستوى فيضانات تطيح بمؤسسيها وتضرّ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على حدٍّ سواء، إذ لن تعود كرة القدم على مستوى القارة الأوروبية كما كانت من قبل، سواء أبصرت هذه البطولة النور أم لا، فهي فتحت الأبواب مشرعة أمام التمرد على الممثل الرسمي للاتحاد الدولي، وتشكيل حالة استقلالية، أو كما سماها اليويفا “حالة انفصالية”، وهذا بحدّ ذاته سلاح ذو حدين، فإذا وجدنا إيجابيات بما قام به رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز مع غيره من رؤساء الأندية الكبرى في القارة العجوز، سنجد بالضرورة سلبيات أيضا وربما في الوقت الحالي أكبر من الإيجابيات.
مسيرة البطولة الجديدة تبدو مليئة بالصعوبات والعراقيل التي ستعترضها قبل وبعد انطلاقها، في حال انطلقت فعلا. لكن البداية كانت في العام 2018، عندما بدأت الفكرة بالتبلور، وعادت للظهور في تشرين الأول من العام الماضي، عندما قال جوسيب ماريا بارتوميو، رئيس نادي برشلونة في ذلك الوقت، إن النادي وافق على مقترح بالانضمام إلى المسابقة الوليدة، والتي أطلق عليها عدة أسماء، ما بين الدوري الأوروبي الممتاز ودوري السوبر الأوروبي إلى أن أصبح الأخير هو اسمها إعلاميا. وقد يتبادر إلى أذهاننا أنها فكرة جديدة، لكنها موجودة في معظم اجتماعات الأندية الكبرى والصفوة في أوروبا منذ فترة الثمانينيات، إلى أن أصبحت بطولة دوري أبطال أوروبا بشكلها الحالي أقرب تصور لبطولة السوبر الأوروبي التي كانت تناقش في الثمانينيات والتسعينيات؛ وبحسب الوثائق المسربة ستحاول أندية الصفوة في أوروبا في حال نجاحها في استكمال مشروعها أن تستقل عن يويفا.
أما سبب إقامتها في المقام الأول فهو مادي بحت يرجع لرغبة الأندية الكبرى في حصة أكبر من عائدات دوري أبطال أوروبا، لتعويض خسائرها المالية التي تضاعفت بعد جائحة كورونا حتى استدان بعضها ومنها نادي برشلونة. وعوائد البث هي المحرك الرئيسي في العملية، فبناء بطولة تتكون من أقوى أندية أوروبا قد ينهي قوة دور المجموعات في بطولة دوري أبطال أوروبا، حيث أثبتت عدة دراسات أن معظم الجماهير لم تعد تهتم – كما كانت في الماضي – بمباريات دور المجموعات، لكنها تهتم أكثر بالمواجهات الإقصائية؛ كما حظيت البطولة الجديدة، وليدة اجتماعات الأندية، بدعم مادي يزيد عن 6 مليارات دولار، من بنك الاستثمار الأمريكي العملاق “جي بي مورغان” ليكون الممول الرئيس للرابطة.
وستحصل الأندية المؤسسة على 3.5 مليارات يورو لدعم خطط الاستثمار في البنية التحتية ومواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا؛ وسيحصل البطل على نحو 400 مليون يورو، وهو مبلغ ضخم يبلغ أكثر من 3 أضعاف الـ 120 مليون يورو التي يمنحها اليويفا للفائز بدوري أبطال أوروبا كل عام؛ وسيوزع 1.95 مليار يورو على فرق دوري السوبر الأوروبي، حيث سيتم تسليم 488 مليونا (25%) دفعات أولية، و585 مليونا بناء على النتائج، وستذهب 30% أخرى من المدفوعات على أساس ما حققه النادي على مدى السنوات العشر الماضية، وسيترك 292 مليون يورو (15%) ستنفق في أبواب الصرف الإضافية. وطبعا ستحصل هذه الأرقام الفلكية بفضل عاملين: الأول قيمة عائدات البث التليفزيوني للبطولة التي ستصل إلى 10 مليارات يورو، وهي قياسية مقارنة بـ 4 مليارات فقط حققها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، عام 2020، من البث التلفزيوني لكل مسابقاته، والثاني الشعبية العالمية الجارفة للفرق المشاركة في البطولة، وعدد مبارياتها الذي سيبلغ نحو 100 مباراة ستقام بنظام الذهاب والإياب، يمكن تسويقها بعقود ضخمة غير مسبوقة، خاصة وأن رؤساء الأندية المؤسسة للبطولة معظمهم من رجال المال والأعمال، ولديهم شبكة علاقات واسعة يمكن استثمارها في تسويق استثنائي للبطولة التي ستولد ضخمة.
وبحسب تصور رئيس نادي ريـال، كانت البطولة ستنطلق في شهر آب، وستقام مباريات البطولة وسط الأسبوع لتفادي مباريات الدوريات المحلية التي عادة ما تقام أول وآخر الأسبوع. وينص نظام دوري السوبر على مشاركة الأندية المؤسسة بشكل دائم في البطولة، ويتم اختيار 5 أندية كل عام بناء على إنجازاتها في المواسم السابقة، ويقسم العشرون فريقا على مجموعتين تضم كل مجموعة 10 فرق، وتلعب المباريات بنظام الدوري الذهاب والإياب، على أن تتأهل أول 3 فرق من كل مجموعة إلى الدور ربع النهائي، وتقام مواجهات فاصلة بين فرق المركزين الرابع والخامس في المجموعتين، لاستكمال فرق ربع النهائي.
أمام كل ما سبق، يبدو موقف الاتحادين الدولي والأوروبي متشددا وحازما، فالفيفا أصدر بيانا وصف فيه دوري السوبر الجديد بـ “البطولة الانفصالية”، وأكد رفضه لإقامة أي دوري أوروبي مغلق خارج إطار كرة القدم الدولية، أما الثاني فأصدر بيانا مشتركا، مع اتحادات وروابط الدوريات في إسبانيا وإنكلترا وإيطاليا، ندد فيه بالفكرة أصلا، ووصفها بالمشروع المعيب، والذي أساسه المصلحة الشخصية لعدد قليل من الأندية، ليقوم بعدها بالتهديد والوعيد بأنه سيمنع اللاعبين المشاركين في هذه البطولة من حق تمثيل بلادهم في البطولات الدولية، وفي اللعب في المسابقات المحلية حتى؛ وكذلك أصدر اليويفا قرارا بعقوبات مالية بالتبرع بمبلغ إجمالي 15 مليون يورو لخدمة الأطفال والشباب وملاعب كرة القدم في مجتمعات محلية داخل أوروبا، لتتوالى عقبها الانسحابات من البطولة، وأبرزها كان انسحاب الأندية الإنكليزية الذي رأى فيه الكثيرون مؤامرة وانقلابا بعد أن كانت هذه الأندية من أوائل المنضمين، لتبقى ثلاثة أندية في الميدان، هي الريـال وبرشلونة من إسبانيا، ويوفنتوس من إيطاليا، وبحسب آخر الأخبار فهي الأخرى ستتعرض لعقوبة الحرمان من المشاركة في مسابقة دوري الأبطال الموسم المقبل، وهنا سارع رئيس المشروع فلورنتينو بيريز للتصريح بأن الأندية التسعة المنسحبة لا يمكن اعتبارها منسحبة قانونيا، لأنها ملزمة بعقود وقعتها؛ ويبدو أن أشهر الصيف ستكون ملتهبة قبل أن يتم حسم هذه القضية بشكل نهائي.