ملفات “الأولوية”!
مع بدء مرحلة جديدة من “الأمل بالعمل” لابد من التأكيد على أنه يخطئ من يعتقد أو يظن أن الوقت الآن يتطلب القبول بالواقع “بعجره وبجره” كما يقال، وبالأخطاء والهفوات أياً تكن لتجاوز المرحلة الراهنة بكل تحدياتها ومخاطرها الاقتصادية، فالسكوت هنا لا يحقق أية عائدية معنوية أو اقتصادية على المجتمع، بل على العكس يهدم جسور الثقة، ويغلق قنوات التواصل بين المواطن والجهات الحكومية التي عليها مضاعفة الجهد، والبحث عن أساليب وأدوات عمل جديدة تخفف من وطأة الأزمات على الشارع، بدلاً من الإمعان في محاولات تجميل الواقع والتنقيب عن الإيجابيات وتغييب المصداقية بخطط جوفاء ليس فيها أي نبض حياتي، وهذا الكلام هو من وحي الفكر المسؤول الذي يرى أن “أي خلل في الدولة هو فساد، فهدر الأموال العامة، وضرب المؤسسات، وتراجع نوعية الخدمات المقدمة، أوجه للفساد تؤدي إلى تعميم ثقافة الإحباط والفوضى وعدم الانضباط لدى المواطنين، ما يعني عملياً تفتيت المجتمع”.
هنا لابد من التشدد في برامج الأولويات، وخاصة تلك التي لم تعرف طريقها بعد إلى أجندة العمل الحكومي، وفي مقدمتها حاجات المواطن وأزماته في الغاز والمازوت والبنزين والخبز والكهرباء التي توضع في خانة الحرب والظروف الاستثنائية والحصار، بينما بوابات الهدر والنفقات تبقى مفتوحة على مصراعيها، وضمن الحالة الوظيفية الوطنية المثلى؟.
لا يمكن تجاهل واقع الناس، أو الاستمرار في تأجيل المعالجات التي نرى الكثير منها متوفراً، لكنها بحاجة إلى إدارات ذات كفاءة وقادرة على العمل والتجاوب مع محنة شعب صمد وضحى في سبيل بلده، ووجّه رسالة أذهلت العالم بمعنى الانتماء والوطنية والالتفاف حول قيادته، ولذلك لابد من المكاشفة بالحقيقة، والاعتراف بالواقع، والعمل على تفعيل الكثير من القوانين، ومنها قانون الملاءة المالية، وغيره من القوانين النابشة في خزائن من انضوى تحت مظلة الوظيفة العامة، أو من يندرج في خانة حديثي النعمة، وفرملة هروب المال العام والخاص إلى خارج الحدود؟.
لا شك أن ظروف اليوم أصعب من ذي قبل، والمواطن يعي كافة الأحداث الدولية، ويدرك قضية تراجع الموارد، وارتفاع نسب العجز خلال سنوات الحرب نتيجة التخريب الذي تعرّضت له المنشآت، وتوقف نسبة كبيرة منها عن العمل، ولكن ما يحير إخفاق مساعي السياسة المالية في توجهها نحو إنعاش حياة الناس، والموضوع باختصار ليس المواطن والحكومة، أو الإساءة للهيبة، بل هو مواجهة بين حياة معيشية منهكة، وقصور إجرائي، وفكر اقتصادي استسهل تجربة شد أحزمة الإنفاق والتقشف والتعليق على مشجب الحرب، وقد آن الأوان للاستيقاظ والتطبيق الحازم للقوانين دون أية استثناءات.
بشير فرزان