كيف تبخرت صفقة ترامب مع الميليشيات الانفصالية للاستحواذ على نفط سورية
“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة بتصرف:
تنهي إدارة بايدن الإعفاء الوحيد من العقوبات الأمريكية على صناعة النفط السورية، لتركز بدلا من ذلك على إعادة فتح “المساعدات الدولية” للمنطقة التي تسيطر عليها ميليشيات ما يسمى “قوات سورية الديموقراطية” التابعة لحزب العمال الكردستاني في سورية.
وأكد كبير المحللين في معهد نيوزلاين نيكولاس هيراس قرار إدارة بايدن قبل أيام بعدم تجديد الإعفاء من العقوبات لشركة دلتا كريسنت إنيرجي الأمريكية للتنقيب عن النفط في الحقول السورية، ما يعني انتهاء الإعفاء في نهاية شهر أيار؛ كما أكده مصدران إضافيان، أحدهما على اتصال مباشر مع مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية والآخر قريب من متزعمي الميليشيات الانفصالية في سورية، ولكن أيا منهما لم يقل أن القرار نهائي، لكن زعما أنه مرجح للغاية. وقد كتبت شركة دلتا كريسنت إنيرجي في تغريدة لها على تويتر أنه لم يتم “إبلاغها بأي خطط من قبل وزارة الخارجية لعكس المسار” بشأن السياسة النفطية.
تعود قضية النفط إلى عام 2018، عندما استولت ميليشيات مسلحة مدعومة من الولايات المتحدة، تسمى “قوات سورية الديمقراطية”، وتشكل فرعا لحزب العمال الكردستاني الإرهابي في سورية، على أكبر حقول النفط في سورية من داعش.
حتى أثناء قيام القوات الأمريكية بدوريات في مناطق شمال سورية، منعت العقوبات الأمريكية الشركات الأجنبية من “تطوير” الحقول النفطية هناك. ولكن إدارة ترامب منحت، في نهاية المطاف، إعفاء من العقوبات، في عام 2020، لشركة دلتا كريسنت إنيرجي التي وقعت صفقة مع الميليشيات العميلة لـ “تطوير” الحقول “من أجل إبقاء النفط بعيدا عن الحكومة السورية”.
وبحسب ما يتردد، فقد قررت إدارة بايدن الآن إلغاء هذه الصفقة النفطية، وفي المحصلةـ إنهاء سياسة إدارة ترامب الاستحواذية، لكن القرار يلغي أيضا إحدى الطرق القانونية الملتوية التي يمكن لسلطة الأمر الواقع “الكردية” التعامل من خلالها مع العالم الخارجي، ويعيدها إلى فرض عقوبات صارمة.
“الضغط الأقصى”
قال مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن، آرون شتاين، إن فريق بايدن يتخلى عن استراتيجية “الضغط الأقصى”، وقد كان الموضوع النفطي ملحقا دائما بهذه الاستراتيجية، في محاولة منه لحرمان “النظام” من الموارد، وللضغط على إيران.. الآن “تضييق المهمة” في سورية إلى المساعدة في القضاء نهائيا على “داعش” وتحقيق الاستقرار.
وبالطبع، فإن الحكومة السورية بأمس الحاجة إلى استعادة الوصول إلى النفط. وهي تواجه نقصا خطيرا في الوقود، تفاقم بسبب الهجمات التخريبية التي تتحمل مسؤوليتها المجموعات الإرهابية وداعش.
كما يبدو أن قضية النفط مرتبطة أيضا بمعبر اليعربية على الحدود العراقية السورية، فقد تم استخدام المحطة الحدودية سابقا لتقديم الدعم والمعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الميليشيات الانفصالية، لكن روسيا والصين استخدمتا حق النقض “الفيتو” في الأمم المتحدة لإغلاق هذا المعبر، في تموز 2020.
وأفادت صحيفة “نيو هيومانسر” أن روسيا تسعى الآن لإلغاء العبور الأخير الذي وافقت عليه الأمم المتحدة من تركيا إلى الأراضي التي يسيطر عليها المسلحون الخارجون عن سلطة الحكومة السورية أيضا.
قال هيراس: “يبدو أن فريق بايدن يعتقد أن من الأفضل تركيز الطاقة ورأس المال السياسي على فتح معبر اليعربية بدلا من تسهيل الصفقات النفطية”.
وقد أبلغ وفد أمريكي مؤخرا الميليشيات الانفصالية أن المساعدة الأمريكية لـ “تحقيق الاستقرار”، والتي كانت تعهدت بها إدارة ترامب، ستستأنف، وأن إدارة بايدن ستحول تركيزها من النفط إلى الاستقرار، “وهو ما وجدته [قيادة الانفصاليين] إيجابيا”.
وأكد مصدر آخر مقرب من القيادة أن الوفد الأمريكي أثار على وجه التحديد إعادة فتح اليعربية مع النفط.
ومع ذلك، فإن إنهاء مشروع النفط يعيد التناقض القديم في سياسة الولايات المتحدة. إذ وبينما تتدفق “المساعدات” الأمريكية لتحقيق الاستقرار إلى المناطق التي تحتلها الميليشيات ، تظل هذه المناطق نفسها خاضعة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية الصارمة المفروضة على سورية بأكملها، في عام 2011.
وبسبب العقوبات، لجأت المافيات النفطية إلى استخدام مصافي تكرير مدمرة للبيئة في الفناءات الخلفية وبيع النفط بأسعار أقل من سعر السوق من خلال مهربين. وحتى ذلك الحين، شكلت عائدات النفط حوالي 60٪ من ميزانية ما يسمى”قوات سورية الديموقراطية”، في عام 2019.
وكانت الميليشيات الانفصالية على وشك زيادة “الإيرادات” بشكل كبير، وأبرمت صفقات نفطية بقيمة ملياري دولار من خلال إعفاء ترامب، وهو ما أكدته شركة دلتا كريسنت إنيرجي. وفي هذه الأثناء، كانت المساعدات الأمريكية لتحقيق الاستقرار في سورية مدرجة في الميزانية بمبلغ 230 مليون دولار عندما خفضها آنذاك الرئيس ترامب.
“دعم حلفائنا في [شمال شرق سورية] كان بأغلبية ساحقة من الحزبين. فقد وضع مسؤولو إدارة أوباما سياسة هذا الترخيص، وأذن مسؤولو ترامب بالنشاط وفقا لهذه السياسة، ونتوقع أن يحافظ مسؤولو بايدن على السياسة”، كما كتبت دلتا كريسنت إنيرجي في إجابة على أسئلة صحفية عبر البريد الإلكتروني. “نطلب فقط من الأشخاص الذين يحاولون تسييس هذا الأمر أن يستمعوا ببساطة إلى الحقائق، ويدركوا أن حلفاءنا في [شمال شرق سورية] عانوا بما فيه الكفاية من القرارات المسيسة، ويحتاجون إلى دعم يمكن التنبؤ به من الولايات المتحدة.”
“المساعدة في إعادة الإعمار”
تعود أصول المشروع إلى قائد “قوة دلتا”، الكولونيل المتقاعد جيمس ريس. كانت شركته الأمنية الخاصة “تايغرسوان” موجودة في سورية منذ عام 2016، بحسب مصدر محلي يعمل في مشاريع تحقيق الاستقرار. ويضيف المصدر: “لقد كانوا نوعا ما شركة أمنية، لكنهم يبحثون أيضا عن خيارات تجارية أخرى”.
في نيسان 2018، تحدث الكولونيل ريس إلى قناة “فوكس نيوز” بعد عودته من سورية، حيث كان “يساعد في إعادة الإعمار”. في وقت لاحق من ذلك العام، ذكرت صحيفة النيويوركر أن “تايغرسوان” تحمي عمليات إزالة الألغام في الرقة.
من غير الواضح بالضبط كيف انخرط ريس في النفط. رفضت شركة دلتا كريسنت إنيرجي إعطاء جدول زمني محدد للمشروع، وقالت ببساطة إن علاقتها بـ “القيادة” في [شمال شرق سورية] تعود إلى سنوات عديدة وقد تم توثيقها جيدا من قبل المراسلين الآخرين.
لكن مصدرا مطلعا على المشروع، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أوضح أن الميليشيات الانفصالية اقتربت من ريس أولا، وطلبت منه المساعدة في وضع خطة تنمية اقتصادية بعد أن قطعت إدارة ترامب “مساعدات” الاستقرار.
وذكرت شبكة “سي إن إن”، العام الماضي، أن شركة دلتا كريسنت إنيرجي دخلت مداولات مع إدارة ترامب بشأن قضية النفط في أواخر عام 2018.
كان بريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي الخاص لحملة مكافحة داعش، متشككا في أن استخراج النفط السوري دون إذن من الحكومة المركزية بدمشق سيكون قانونيا.
“لقد عملت في هذه القضية مع [وزير الخارجية السابق ريكس] تيلرسون، الذي يعرف شيئا عن النفط، ولا يمكننا استغلال هذه الموارد النفطية ما لم نرغب في أن نكون مهربي نفط”، كما قال لاحقا أمام لجنة استضافتها، في تشرين الأول 2019، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وتيلرسون هو الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل النفطية.
وأوضح ماكغورك أن “الطريقة الوحيدة الممكنة للقيام بذلك بشكل قانوني هي ترتيب ضمان من خلال الروس من شأنه أن يحظى بموافقة الحكومة السورية”. يمكنك وضع الموارد في نوع من الضمان من أجل التنمية النهائية بمجرد انتهاء الحرب. لم يكن ذلك ممكنا.. لم يكن الروس منفتحين حقا على ذلك، وأعتقد أنهم سيكونون أقل من ذلك الآن “.
وقد غادر ماكغورك إدارة ترامب في كانون الأول 2018. وعاد إلى الحكومة هذا العام، حيث عمل كمنسق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي.
“النفط آمن”
بعد شهرين من مغادرة ماكغورك للإدارة، قام الكولونيل ريس – جنبا إلى جنب مع السفير السابق جيمس كين، ورجل النفط المخضرم جون بي دوريرير الابن – بتأسيس شركة دلتا كريسنت إنيرجي، وتقدموا بطلب للحصول على إعفاء من العقوبات في أيلول 2019.
في الشهر التالي، توغلت القوات التركية داخل الأراضي السورية. وفكر ترامب في سحب القوات الأمريكية من سورية بالكامل، لكن السناتور ليندسي غراهام، وهو جمهوري من الجنوب، أقنعه بأن السيطرة على النفط السوري يمكن أن تكون “سببا مفيدا لمواصلة العمل” مع الميليشيات الانفصالية.
وقال ترامب للصحفيين إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “نحتفظ بالنفط ونستحوذ عليه.. وتركنا القوات وراءنا للنفط فقط”.
اعتقد الكثيرون في إدارة ترامب أن الحكومة السورية كانت “تتخبط” في الخروج من وضع اقتصادي صعب، وأن حرمانها من الوصول إلى النفط كان يمكن أن يساعد في فرض “تغيير النظام من الداخل”، كما قال مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن، آرون شتاين.
وفي نهاية المطاف، منحت إدارة ترامب لشركة دلتا كريسنت إنيرجي تنازلها في نيسان 2020، وهو ما أعلنه غراهام علنا في جلسة استماع بالكونغرس في تموز الماضي.
كان التنازل مثيرا للجدل في ذلك الوقت. كان السفير السابق كين ناشطا جمهوريا لفترة طويلة، بينما تبرعت دورييه لحملة غراهام. اعترف جويل ريبيرن المسؤول بوزارة الخارجية أمام الكونغرس بأن إدارة ترامب ضغطت فقط من أجل شركة دلتا كريسنت إنيرجي للحصول على الإعفاء.
قال كين لصحيفة فاينانشيال تايمز، في وقت سابق من هذا العام: “شركات مثل إكسون وشيفرون لا تفعل هذا النوع من الأشياء”.. “قد يقول البعض إنها مخاطرة كبيرة”.
اجتذب المشروع أيضا انتقادات دولية، حيث اتهمت سورية وروسيا وإيران وتركيا الولايات المتحدة بنهب الموارد الطبيعية السورية.
في غضون ذلك، نأى الجيش الأمريكي بنفسه عن تصريحات ترامب وغراهام. وفي أوائل عام 2020، بدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بتدريب ميليشيا محلية تسمى “حرس البنية التحتية النفطية” لحماية حقول النفط بتكليف مما يسمى “قوات سورية الديمقراطية”.
وبحسب تقرير للحكومة الأمريكية، كانت القوات الأمريكية لا تزال تقوم بزيارة هذه الميليشيا ثلاث إلى خمس مرات أسبوعيا في نيسان 2020.
وقال متحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية في وقت سابق من أيار الجاري إن القوات الأمريكية دعمت “حرس حقول النفط” التابعين للميليشيات الانفصالية من أجل “منع داعش من الوصول إلى الموارد والإيرادات المهمة التي يمكن استخدامها لشراء الأسلحة والقيام بعمليات”.
وقال: “النفط السوري للشعب السوري وسنظل ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سورية”.
وامتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق.