“الهجرة الدولية في المنطقة العربية”.. سياسات وإجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه اللجوء
تعد الحركة السكانية جزءاً لا يتجزأ من التاريخ البشري، وعاملاً من العوامل المحددة له، وتنطوي في الغالب على دور ملحوظ في المساهمة المباشرة في التنمية، وقد تكون الهجرة في بعض الأحيان اضطرارية تنجم عن الإكراه أو العنف، أو بفعل ضغط العوامل السياسية.
يتحدث كتاب “الهجرة الدولية في المنطقة العربية” للكاتبين: د. محمد أكرم القش، ود. حسين طلال مقلد عن الهجرة الدولية التي أصبحت جزءاً حيوياً من الوجود الذي تسيطر عليه العولمة الآن، إذ زادت العولمة من حركة السكان، لاسيما الهجرة المتعلقة بالعمالة، وتعد قضية الهجرة الدولية واحدة من القضايا الملحة التي تشغل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء بسبب تأثيرها في كثير من قضايا التنمية داخل هذه الدول، وقد تكون الهجرة في بعض الأحيان اضطرارية تنجم عن الإكراه أو العنف، أو بفعل ضغط العوامل السياسية، كذلك ينتقل الناس هرباً من الأزمات، ومن عوامل عديدة مختلفة، إذ يشهد المجتمع الدولي الآن فيضاناً من المهاجرين من الدول التي تعاني أزمات، مع بلوغ عدد الأشخاص النازحين قسرياً في العالم مستوى أعلى مما كان عليه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.
قيم وسياسات
يتحدث الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب عن سياسات وإجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه اللجوء، وكيفية مواجهة أزمة متفاقمة نتجت عن الصراع الكامن والعلني بين مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء التي تتمسك بسيادتها القومية في مواجهة السياسات ما فوق القومية للاتحاد، وتدعم التوجه المناقض للتوجه الليبرالي المتبنى من قبل مؤسسات الاتحاد، ويظهر ذلك من خلال مسألة اللجوء والهجرة، لأن هذه المسألة تتصل بحقوق الإنسان من جهة، وتشكّل خطراً على الاتحاد الأوروبي مع تفاقم أعداد المهاجرين أو طالبي اللجوء إليها من جهة أخرى.
تركز الدراسة على أهمية القيم في سياسات الاتحاد الأوروبي، ومدى محافظته على هذه القيم والدفاع عنها، ووفقاً لفرضية الدراسة، لوحظ أنه على الرغم من تمتع الاتحاد الأوروبي كمنظمة والدول الأعضاء فيه بمنظومة قانونية قومية وفوق قومية تؤكد حقوق اللاجئين وتتوافق مع الاتفاقيات الخاصة بهم، لاسيما اتفاقية جنيف التي تعترف بحق اللجوء، ولكنها لم تفرض على أية دولة التزامات لقبول اللاجئين، فوصول طالب اللجوء إلى حدود الدولة بهدف طلب اللجوء يعني مباشرة أنه محمي ولا يجوز ترحيله إلى دولته من مبدأ “عدم الترحيل القسري للاجئين إلى دول المصدر”، وهو مضمون من خلال الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1933، إلا أن معظم دول الاتحاد الأوروبي لم يكن سلوكها منسجماً مع قوانين هذه الاتفاقيات على الرغم من اعتماد هذه القيم في الاتفاقيات المؤسسة للاتحاد، والميثاق الأساسي لحقوق الإنسان، فقد جاء التعامل على أرض الواقع مخالفاً له، وهذا ما أسهم إلى حد ما في التهديد بانهيار نظام الإدارة للاجئين في الاتحاد الأوروبي.
إشكاليات ومداخل
تتمثّل الإشكالية في أن معظم دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته تحاول إيجاد نوع من التوازن بين الرغبة في منع الهجرة غير الشرعية وتقييدها، وطلبات اللجوء السياسي إليها، واحترام قيم حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين واللاجئين السياسيين، وفي سبيل ذلك تتراوح سياسات دول الاتحاد الأوروبي بين عدة مداخل يمكن تصنيفها في مدخلين أساسيين هما: المدخل الواقعي، والمدخل الليبرالي، فالمدخل الواقعي يركز على مسألة التحكم بالحدود الخارجية، وعلى فكرة سيادة الدولة، ووفقاً لهذا المدخل، ليس هناك تمييز بين التحركات العابرة للحدود، سواء كانت شرعية، أو لجوءاً إنسانياً، أو سياسياً، أو طلباً للحماية، أما المدخل الليبرالي فيتبع منظوراً إنسانياً يركز على الأفراد، ويعلي من قيمة حقوق الإنسان، أي أن يتمتع اللاجئ بحقه في الحصول على الحماية، والدخول في إجراءات حماية اللاجئين، ومن هنا تتمثّل الإشكالية في الموقف الأوروبي في أن التركيز الشديد على الليبرالية قد يؤدي إلى تقويض سيادة الدولة، أما التركيز على السيطرة والتحكم في الحدود، وفقاً للنظرية الواقعية، فقد يقوّض حقوق الإنسان العالمية، ومبدأ حرية الحركة، ومازالت أوروبا منقسمة بين الحاجة إلى احترام حقوق الإنسان، والحاجة إلى تقليل عدد المهاجرين غير الشرعيين الداخلين إليها، والسؤال هنا: هل استطاع الاتحاد الأوروبي الالتزام بقيمه في التعامل مع مسألة اللاجئين أم أنه وقع في معضلة الفكر الواقعي الذي يركز على مسألة الأمن والمعضلة الأمنية أكثر من تركيزه على القيم والمبادئ؟!.. هذا التساؤل تنبثق عنه تساؤلات أخرى: هل تنتمي الانطباعات والمبادئ والقيم إلى ذلك البعد الناعم للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؟ وما علاقة البعد الأخلاقي للسياسة الخارجية بالأبعاد الأخرى؟.
إن هذه القضايا وسواها تثير مجموعة من الأسئلة تدعو إلى كثير من التأمل، ومن هنا يبرز جدل حول مصداقية الشعارات التي يتم طرحها من قبل الدول الأعضاء حول الترويج للأفكار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وعلم الأخلاق، والقوة الأخلاقية، والقيم، والسلوك المبدئي.
عُلا أحمد