من وحي الانتخابات الرئاسية السورية 2021
نايف القانص
سفير اليمن السابق بسورية
الانتخاباتُ الرئاسية السورية 2021 قلبت موازين اللعبة في الخارج، وكشفت أسرارا تتجاوز القدرات والحملات الانتخابية التنظيمية والشعبية على مستوى العالم، ولابد من تسليط الضوء وعمل دراسات وبحوث على مختلف المستويات على واقع الحملات الانتخابية أو علم الاجتماع والتركيز على معطيات الأوضاع السياسية الراهنة والحرب الإرهابية التي مرت بها سورية.. وكذلك الحرب الاقتصادية الحالية والضغوط الدولية التي تتعرض لها، والأهم من كل ذلك دراسة معمقة في شخصية الرئيس بشار الأسد التي تتجدد وتواكب كل المتغيرات وتحقق الانتصارات الساحقة في كل المراحل والميادين العسكرية والسياسية.
لن نخوض في الحرب الإرهابية الكونية التي تعرضت لها سورية طيلة عشر سنوات، لأن الجميع يعرف الكثير عنها، ولأنها تحتاج إلى مجلدات لشرحها وتفصيلها، لكننا سننطلق من وإلى الواقع المعاش اليوم في ظل حرب وحصار اقتصادي قاتل مع تطبيق ما يسمى “قانون قيصر”، وتجديد العقوبات الأوربية وتراجع الدخل، وأزمة المواد الغذائية والمشتقات النفطية وهبوط للعملة الوطنية، إضافة إلى انقطاعات كبيرة للكهرباء في اغلبية سورية نتيجة استهداف المحطات الكهربائية من قِبل الإرهابيين وتحويل مياه نهر الفرات من قبل النظام التركي المساند للإرهاب.
ضغوط دولية وتلويح بعقوبات إضافية على دمشق ونشاط أجهزة الاستخبارات العالمية ضد سورية في جميع المحافل الدولية واستخدام ورقة “الكيماوي” وغيرها، كل ذلك كان مقدمة لإعاقة الانتخابات وابتزاز سورية بعد فشلهم في الميدان عسكرياً.. وبعد أن أصبحت سورية تتقدم بخطوات سريعة نحو الاستقرار والبناء والتي ستعزز ذلك الاستحقاق الانتخابي في موعده الدستوري.
السر يكمن في ثقة القائد بشعبه وعدم الالتفات إلى كل تلك الضغوط، فقد مضى قدماً بخطوات الواثق بنفسه وشعبه والمؤتمن على القسم الذي أقسمه للشعب وعدم تعطيل الدستور أو إيجاد حالة من الفراغ الدستوري، ليضع القرار بيد الشعب الذي قرر بدوره من يقوده في مرحلته القادمة، وببرنامج انتخابي من كلمتين (الأمل بالعمل)، انطلق بكل قوة، فمن خاض حرباً إرهابية عالمية ودافع عن شعبه وانتصر فيها لا يخاف مما يقرره صندوق الانتخاب.
حينما أعلن مجلس الشعب تحديد موعد الانتخابات زادت الضغوط، لكن سورية مضت بقوة نحو الاستحقاق الدستوري، وتقدم عدد كبير من المرشحين، وتم تزكية ثلاثة مرشحين من المجلس، الرئيس الأسد أحدهم، ومضت الحملة الانتخابية بتنافس شريف كشفت اندفاع القطاعات الخاصة والعشائر في الإسهام المباشر وغير المباشر بالحملة الانتخابية مع الرئيس بشار الأسد، ما عزز الموقف الشعبي لخوض التحدي لتصبحَ المعركةُ بين الشعب العربي السوري مع أعداء سورية مباشرةً، وكلما اشتدت معركة الغرب وأدواته في المنطقة ضد الرئيس الأسد ازداد التلاحم الشعبي معه والحماس في إنجاح الاستحقاق الدستوري واستكمال معركة التحرر من الإرهاب وداعميه.
قدم أبناء سورية الاحرار أنموذجاً في الوعي السياسي والديمقراطي وحب الوطن وتغليب المصلحة العليا على كل المصالح الشخصية واستكمال الانتصار في المعركة العسكرية وتضحيات الشهداء وتتويج ذلك النصر بنصرٍ سياسي ديموقراطي أخرس كل مزايد بالقضية السورية، وأسقط آخر الأقنعة التي كانت دول الغرب تتلطى وراءها، وكشف عن ديمقراطيتهم الزائفة، فكانت رسائل الشعب السوري وضرباته موجعة دفعتهم إلى فقدان صوابهم لتنعكس بتصرفات حمقاء فضحت زيفهم وخداعهم لشعوبهم، فكان يوم 20/ 5/ 2021 مزلزلا لكل من تآمر على سورية، وضلل الرأي العام بأن اللاجئين السوريين الذين في الخارج غادروا سورية من “بطش النظام”، ولكنهم قالوها للعالم أجمع: اليوم حصحص الحق، وأن يوسف دمشق مظلوم، وأن كيدكم الذي كدتموه مردود عليكم، وأن كل سوري غادر سورية كان هروبا من إرهابكم وبطش مرتزقتكم، أما سورية وقائدها فنحن اليوم نبايعه من جديد، فهو الحافظ الأمين المستعصم الذي لم يفرط بسورية وبشرف الأمة وكرامتها، ولن نأمن أحداً غيره يقود المرحلة القادمة، ويكمل مشوار مرحلة الأمل، فمنا جميعاً العمل، وعليه وبه نعقد الأمل.. وإنجاح العملية الديمقراطية أول الخطوات.
يوم ٢٦ أيار ٢٠٢١ شكل طوفانا بشريا ورسالة رعب من داخل سورية لكل المتآمرين عليها، وهو اليوم الذي فيه تفاجأ العالم أجمع، الصديق قبل العدو؛ وفي ظل تفشي كورونا وأوضاع اقتصادية صعبة جدا لا نظير لها على مستوى العالم، رأينا الملايين من البشر لا تخشى الموت أو تأبه بالصعاب والعوائق، الكل على قلب رجل واحد وقضية واحدة.. نكون أو لا نكون.. ننتصر لسورية.. ونتوج كل تلك التضحيات التي قدمها الجيش العربي السوري وانتصر للوطن وللإنسانية جمعاء.
إذا تكلمنا بلغة الأرقام والشرعية التي تستمد من الشعب، فقد بلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب داخل سورية وخارجها 18٬107٬109 ناخباً.. عدد من أدلى بصوته 14٬225٬104 ناخباً.. أي بنسبة 78.64%، وهذه النسبة لم تحقق في معظم الدول الديمقراطية بالعالم.
من هنا، لابد أن نقف لدراسة هذا الرقم 14٬225٬104، والذي بلغت نسبته 78.64% في ظل ظروف صعبة وقاهرة في دلالة على التفاعل الجاد والشعور بالواجب الوطني ورغبة عامة الشعب العربي السوري للاستقرار والأمن والسلام، والإيمان المطلق بإرساء دعائم الديمقراطية ونبذ العنف والحروب التي لم تخلف سوى الدمار، فما تعرضت له سورية من إرهاب ودمار واقتصادي طيلة عشر سنوات عمق الوعي لدى عامة الشعب، وأدرك تماما من الذي أراد لسورية الخير ودافع عنها ومن كان وراء دمارها.. فقال كلمته بقوة، وأوصل رسالته ونهض بكل طاقاته ونسف قواعد اللعبة.
نقف ايضاً لدراسة من لم يدلِ بصوته (3,882,005)، بنسبة 21.36%، وهي نسبة يدخل فيها من تم منعهم في ألمانيا وفرنسا وعدد من الدول المعادية لسورية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومن يحكمها، وكذلك يدخل ضمن النسبة من مورست بحقهم البلطجة والإرهاب وحالة التقطع التي مارسها حثالة من الشذاذ في لبنان، بالإضافة الى المناطق التي تسيطر عليها المجاميع الإرهابية والتي يوجد فيها من كان يرغب بالمشاركة بالانتخابات لكنه لم يتمكن من ذلك.
وهنا نجد أنفسنا أمام هذا السؤال: ما نسبة المعارضة من كل تلك الارقام؟ تتجلى هنا حقيقة إفلاس هذه المعارضة ونبذها من قبل السوريين، وهو ما يكشف تخوفها لخوض المنافسة الديمقراطية والتغيير بالطرق الحضارية عبر الصندوق، وسعيها للسيطرة على الحكم عن طريق الإرهاب وانتزاعه بالقوة حتى لو دمرت كل سورية وقتل الشعب بأكمله، مستعينة بما تقدمه الدول الراعية للإرهاب والمعادية لسورية وقيادتها التي لم تخضع لرغبات تلك الدول ولم تقدم التنازلات للكيان الصهيوني على حساب الأرض والكرامة والسيادة.
نجحت الانتخابات وبشكل غير متوقع وباندفاع كبير من الناخبين في الداخل والخارج، وحصل الرئيس الأسد على 13٬540٬860 صوتاً من أصل 14٬239٬140 وبنسبة 95.19%، في الوقت الذي راهنت الدول المعادية لسورية، وما سمي بالمعارضة، على فشلها ومقاطعتها.. فحين قالت تركيا قبل إجراء الانتخابات إنها لن تكون شرعية، مشيرة إلى أنها “تحرم ما يقرب من 7 ملايين سوري في الشتات من حق الاقتراع”، كانت الصدمة على غير المتوقع لها، ولكل من راهن على فشل الانتخابات أو إفشالها، بمشاركة كل السوريين في الخارج، وممارستهم حقهم الدستوري، واختيارهم من يقود المرحلة.. ولم يُحرَم من ذلك الحق إلا من منعتهم الدول المعادية، وعلى رأسها تركيا الداعمة للإرهاب والمساهمة بشكل كبير في تدمير سورية ونهب ثرواتها.. والتي ما زالت الى اليوم سببا رئيساً في كل ما يعانيه المواطن السوري.
خلاصة الكلام والانتصار الديمقراطي: الانتخابات الرئاسية السورية كانت آخر مسمار يُدَقُّ في نعش أعداء سورية، والمشككين بشعبية الرئيس بشار الأسد.. ورسالة قوية وواضحة تؤكد رفض سورية للإرهاب وداعميه.