حقيقة حيّة عابرة للحقب
بسام هاشم
في قراءة غير مكتملة لكلمات القائد بشار الأسد، مرشّحاً ورئيساً، على امتداد الأسابيع القليلة الماضية، وبالتحديد كلمة سيادته خلال إدلائه بصوته والسيدة عقيلته، في دوما، يوم الانتخابات، ومن ثم كلمته بعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وما أدلى به، بعد أيام من ذلك، خلال زيارته لمدينة عدرا الصناعية.. وقبل يومين خلال لقائه وفد المؤتمر القومي الإسلامي، لا يمكن للمتابع إلا أن يستشف ملامح رؤية جديدة للشخصية الوطنية السورية ولدور ومكانة سورية، وهي رؤية تستمد جذورها ونسغها من اختبار النار الذي فرضته الأحداث المؤلمة التي عصفت بالوطن السوري خلال السنوات العشر الماضية، والتي كادت أن تدمّر كيانه السياسي والمجتمعي، لتخرج سورية أقوى عزيمة وإرادة وتعافياً واستعداداً للمواجهة والتحدّي.. يمكن ملامسة حالة التأهّب هذه من خلال الروح الجديدة التي باتت تطبع اليوميات الوطنية للمجتمع السوري، الذي يعيش خلال هذه الأيام حالة هي أشبه بالترقّب لطي صفحة الحرب نهائياً، والانطلاق في مغامرة إعادة الإعمار اعتماداً على الإمكانيات والجهود الذاتية، ودون انتظار لأية وعود و مساعدات خارجية، حتى ولو كانت بمتناول اليد؛ ولربما كان ذلك هو الدرس الأول والأهم الذي تعلّمه السوريون خلال سنوات المحنة، فالاعتماد على الذات هو الوجه الآخر للصمود والبسالة اللذين أبداهما الشعب السوري، وحيداً، وبإمكاناته الذاتية، في مواجهة أعتى قوى الشر والعدوان مجتمعة إلى أن اتخذ الصراع منحى عالمياً، وتدخل الحلفاء والأصدقاء لتقديم العون انطلاقاً من الشعور بهول ما يخطط لسورية إقليمياً ودولياً.
يمكن ملامسة روح الثقة والتفاؤل الجديدة أيضاً من خلال المعاينة المباشرة لحقيقة أن الجميع بات على قناعة ضمنية بأن الورشة الوطنية قيد الانطلاق، أو هي انطلقت فعلياً، وأن الشعب السوري انتصر لا محالة، وأنه لا بد من الحفاظ على هذا النصر وتتويجه بانتصار شامل، اقتصادي وتنموي واجتماعي؛ فليس مجرد الاستعداد للمواجهة هو الذي مكّن من الصمود، وأحبط المؤامرة، وحكم على المتآمرين وأزلامهم بالفشل، بل هناك منظومة القيم الأخلاقية والثقافية المشتركة التي منحت الوطنيين السوريين الشعور الدائم والثابت بالتفوّق الأخلاقي والوجدانية العالية، وهي منظومة تنهض على أساسها الأمم والشعوب الحيّة على امتداد أفق حضاري كامل وخلال دورة تاريخية مديدة.
وما علينا أن نرسّخه في الأذهان هو أن شعباً حياً يعيش هاهنا استطاع أن يجسّد أسطورة المقاومة حتى آخر نبض، والتضحية حتى آخر قطرة دماء، ولم يفقد إيمانه بعدالة قضيته، واختار المضي بذلك حتى النهاية.
لقد كانت واضحة ثقة الرئيس الأسد ليس بمواطنيه السوريين وحسب، بل وبمستقبلهم وقدرتهم وطاقتهم على التجدّد واستكمال المعجزة، وهو ما تجلّى في العناوين التي حملتها كلمته إلى السوريين بعد إعلان نتائج الاستحقاق الرئاسي ومن ثم زيارته إلى مدينة عدرا الصناعية، حيث الثقة والعزيمة والإرادة والتفاؤل، وكان واضحاً أيضاً في مضامين لقاء سيادته مع وفد المؤتمر القومي الإسلامي، ذلك أن الانتصار السوري بات معلماً وشاخصة طريق لمرحلة تاريخية جديدة، ولدمشق التي تنهض بانتظار ملء الفراغ العربي الذي لطالما حفر عميقاً في الوجدان العربي وفي زمن ربيع الخونة والرخيصين والمتاجرين الذي شكّلوا لطخة سوداء عابرة في التاريخ البطولي والمشرّف للأمة العربية.
مع ذلك، فإن نهاية المعركة لا تبدو سهلة، خاصة وأن ما واجهته سورية خلال السنوات الماضية عصبة من القتلة والمجرمين الدمويين المستعدين لفعل كل شيء في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة، وهم لن يدعوا الشعب السوري، وهناك من يصر على الفهم الخطأ، ويمعن في التفكير الرغائبي، ويغرق في أوهامه وتخيّلاته، ويظن أن الحصار والعقوبات والضغوط على الشعب السوري يمكن أن يقوده إلى نتيجة، ولكن الشعب العربي السوري حقيقة حيّة عابرة للحقب والمراحل التاريخية، الوطنية السورية ممتدة عبر الأزمنة، وأن الثقافة السياسية السورية ثقافة أصيلة تطرد تلقائياً كل “غريب” أو “مشبوه” أو “طارئ”.
ومن يتهيأ له أنه يمكن أن يسطّح تفكير هذا الشعب، أو يبيده سياسياً، أو يكوي وعيه، إنما يخدع نفسه، ويعيش أحلام يقظته، فاستمرارية الشعب السوري قائمة على التحدي والاستجابة الحضارية، وهو لا ينفك عن التذكير بفرادته وتميّزه واختلافه، وشخصية الرئيس الأسد هي أنصع أنموذج على ذلك.