ثقافةصحيفة البعث

الفرقة السيمفونية الوطنية السورية تشارك بانتصارات سورية

“منك وإليك يا سورية” عنوان الأمسية التي قدمتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان على مسرح الاوبرا، والتي كانت احتفالية سورية كبيرة تتزامن مع انتصارات سورية، وتستكمل المتابعة بالمشروع الوطني السوري “منك وإليك يا سورية” الذي يستضيف الموسيقيين السوريين المغتربين الذين حملوا صوت سورية في بلاد الاغتراب، وفي الوقت ذاته يركز على خاصية التأليف الموسيقي لجيل الشباب بعد صلحي الوادي ونوري رحيباني- كما ذكر المايسترو باغبودريان- فجمعت الأمسية بين عزف أعمال كلاسيكية قديمة ومعاصرة ومقطوعات التأليف الموسيقي، ولاقت أصداء إيجابية كبيرة من الحضور الرسمي والجماهيري النخبوي، واستضافت عازف الكمان بسام نشواتي المغترب في أمريكا، والاوبرالي نبيل سليمان المغترب في بلجيكا، بمشاركة المايسترو عدنان فتح الله على العود، وأغيد منصور على الأورغن.

أصوات متعددة

بدأت الأمسية بزخم موسيقي قوي لآلة الأورغن التي تعد كنزاً من كنوز الاوبرا وسورية بعدما تم إجراء صيانة جديدة لها بعد آخر صيانة في عام 2009 بدعم من وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح، وتمت الاستعانة بخبير روسي إلى جانب الفنيين السوريين، والمتابعة الدقيقة لعازف الأورغن السوري أغيد منصور، وقدم عزفاً منفرداً بمرافقة الاوركسترا سيمفونية لآلة الأورغن، والاوركسترا رقم 42 للمؤلف شارل ماري فيدور -1844-1937، فبدأ بالعزف بأبعاد صوتية قوية تناغمت مع دور النحاسيات، وتتالي التصاعد الموسيقي، وضربات التيمباني، ثم البداية من جديد مع آلات النفخ الخشبية، وصوت الأورغن، لتشترك الاوركسترا فيما بعد.

اللحن الرومانسي للكمان

وضمن مشروع الاحتفالية استضافت الفرقة عازف الكمان السوري المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية بسام نشواتي، فقدم عزفاً منفرداً لآلة الكمان بنمط رومانسي رقيق جداً مع الاوركسترا سلم- فا ماجور- مصنف رقم 50 للمؤلف لودفيغ فان بيتهوفن، فبدأت المقطوعة بالكمان وآلات النفخ الخشبية والوتريات، وبدا دور الباصون والكمان، وتميزت بتدرجات الوتريات وصولاً للقفلة الساكنة.

بائعة الكبريت

حفلت الأمسية بتقديم أعمال المؤلفين الموسيقيين الشباب الذين يقدمون الموسيقا برؤية خاصة وبلغة معاصرة تختلف من مؤلف لآخر، فشكّلت مقطوعة بائعة الكبريت التي استلهم فكرتها عازف التشيللو صهيب السمان من روح الحكاية العالمية، فأثارت جمهور الاوبرا بتخيّل الحدث مباشرة من تأثير الرنات الإيقاعية اللحنية البراقة المنبهة للمأساة مع امتدادات الوتريات الحزينة، ومضت النحاسيات ببعد صوتي آخر مع السرد الوتري بتصاعد الحبكة الموسيقية، وتمثّل البداية للرنات اللحنية متابعة تفاصيل الحكاية، وصولاً إلى الخط اللحني الحزين للتشيللو ولحظات الموت.

الأداء التعبيري

استضافت الفرقة الاوبرالي السوري المغترب في بلجيكا نبيل سليمان بغناء منفرد  لآريا “ريغوليتتو” من اوبرا “ريغوليتتو” للمؤلف جوزيبه فيردي-1813-1901 فاستحوذ على إعجاب جمهور الاوبرا وتفاعل مع أدائه التعبيري عن الحالة الدرامية، وبحضوره القوي والملفت على المسرح بغنائه المنفرد دون مرافقة إلا من الوتريات الخافتة في مواضع تعبيرية عن الآرية.

بين زمنين 

عادت الفرقة إلى المؤلفين السوريين بمشاركة المايسترو عدنان فتح الله، وصولو العود بعزفه الشجي مع الفرقة لمقطوعته” أهكذا كانت” المعبّرة عن غنائية عاطفية ترفل بالمشاعر المختلطة بين الماضي والحاضر، وتترجم حالة ذاتية لقصة حب أو حنين لزمن ماض ضمن مسارات صوتية متعددة لحالة المقارنة بين زمنين، وربما تنسحب من الذات إلى ما حدث على أرض سورية جراء الحرب الإرهابية، فبدأت مع ضربات التيمباني والإيقاعيات الخفيفة، ثم صولو العود، ووقفات وترية، ليأخذ العود دوره باللحن الأساسي، وامتد اللحن الشفيف للعود بتناغم خاص مع آلات النفخ الخشبية، ثم تصاعد التغييرات اللحنية القوية مع الفرقة والعود.

تخيّلات مخيفة 

وبلغة معاصرة مختلفة تغيرت أجواء الأمسية مع مقطوعة المؤلف السوري الشاب عاصم مكارم بعزف مقطوعته بعنوان: “دوامة” التي تقترب من سمات الموسيقا التصويرية المبنية على عنصر التخيل المكثف للحدث الموحي بالخوف، وبإثارة المتلقي لرسم المشهدية الدرامية الموسيقية، فتميزت بتعدد الأصوات ابتداء من ضربات الطبل الكبير، والتصاعد اللحني للنحاسيات، والعودة إلى آلات النفخ الخشبية، وفواصل الإيقاعيات اللحنية، والتحاور الوتري، وتميزت بدور الباصون الذي أخذ دور السارد في مواضع بمرافقة الفرقة، والإيحاء بتتالي الأحداث المخيفة التي تجعل الإنسان في دوامة من التفكير، لاسيما بالقفلة مع الطبل الكبير.

كارمن الحب والانتقام 

وتوقفت الأمسية مع الألحان الغجرية الراقصة، والعزف المنفرد لعازف الكمان بسام نشواتي بوقفة ثانية بألحان غجرية لآلة الكمان والاوركسترا مصنف رقم -20- للمؤلف بابل دي ساراسات- 1844-1908.

واختتمت الأمسية بأجواء تفاعلية كبيرة مع غناء نبيل سليمان، أغنية مصارع الثيران من اوبرا كارمن المألوفة والمحببة لجمهور الاوبرا للمؤلف جورج بيزيه، والغنية بمشاعر الحب والغيرة والانتقام.

زيارة مميزة 

وعلى هامش الأمسية توقف الاوبرالي نبيل سليمان في حديث خاص مع البعث، أعرب فيه عن سعادته بزيارته المميزة لسورية، ومشاركته بواجب الاستحقاق الوطني، وانتصارات سورية، وتابع عن إقامته في بلجيكا منذ إحدى وعشرين سنة، وهذه المشاركة الثالثة له مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بالاتفاق مع المايسترو ميساك باغبودريان، كما أبدى إعجابه بقدرة ومهارة عازفي الفرقة، وبكل ما يقدمه المايسترو ميساك باغبودريان لتطوير الفرقة، وأعجب بتفاعل جمهور الاوبرا الكبير معه، وبالمحبة التي وصلت إليه منهم، ونوّه إلى ضرورة إظهار الدور التمثيلي التعبيري الموحي بملامح المقطوعة الاوبرالية، أما عن مشروعاته القادمة فسيستأنف التحضيرات لمشاركاته في الأمسيات في دول أوروبية متعددة بعد التوقف العالمي لجائحة كورونا، متمنياً لسورية دوام النصر والازدهار.

ملده شويكاني