إيركسين ليس الأول.. أزمات قلبية هزت عرش بطولات كرة القدم والحلول الجذرية غائبة!
تعتبر النسخة الحالية من بطولة اليورو الأكثر جدلية في تاريخ المسابقة، لأسباب كثيرة في مقدّمتها تعرضها للتأجيل ومكان إقامتها ومستويات المنتخبات المشاركة. لكن أبرز أحداثها إلى الآن، وما أثار موجة من الرعب، نظراً لتكرار مثل هذه الحالات في السنوات الأخيرة، سقوط نجم إنتر ميلان الإيطالي، والمنتخب الدنماركي، كريستيان إيركسين، على أرضية الملعب دون احتكاك أثناء مباراة منتخب بلاده مع المنتخب الفنلندي، وتمّ اكتشاف تعرضه لسكته قلبية، قبل أن يتمّ إسعافه وإنقاذ حياته ليغادر المستشفى بعد استقرار وضعه وتجاوزه مرحلة الخطر. لكن الأمر لم ينتهِ هنا، حيث تبنّت الصحافة العالمية القصة مسلطةً الضوء على واحدةٍ من أكثر المظاهر رعباً في عالم كرة القدم، لعلها تجد من يأخذ الموضوع بجدية أكثر، ويدخل التعديلات على النظام الغذائي والتدريبي للاعبين، فلم يعد يكفي إجراء الفحوصات المكثفة لهم في عمر صغير، أو أثناء الانتقالات، فالقاتل الصامت قد لا تكشف أعراضه مسبقاً، وهذا ما أكدته آخر الدراسات.
حيث شهد المستطيل الأخضر على مدار تاريخ اللعبة الأشهر، عربياً وعالمياً، وقائع تدمي القلوب، وخاصة في السنوات الأخيرة. ففي العام 2000، سقط جون إيكوروما، لاعب وسط منتخب نيجيريا دون 17 عاماً، على أرض الملعب في الإمارات خلال مباراة ودية رفقة فريق الوحدة أمام نادي أستونا الكازاخستاني قبل 20 دقيقة من نهاية المباراة، وتوفي لاعب الوداد يوسف بلخوجة عام 2001، بعد أن وافته المنية إثر سكتة قلبية في نصف نهائي كأس المغرب أمام الرجاء، حيث سقط على الأرض في الدقيقة 35 من عمر الشوط الأول، وعام 2003 سقط الكاميروني مارك فيفيان فوي، والملقب برجل الغابة بسبب طوله الفارع وقوة بنيته، أرضاً خلال مباراة منتخبه أمام نظيره الكولومبي في نصف نهائي بطولة العالم للقارات مفارقاً الحياة، وفي العام 2004 رحل المجري ميكلوس فيهير وهو يخوض مباراة فريقه البرتغالي بنفيكا ضد نظيره فيتوريا في واقعة مشهورة، وغادر النيجيري الآخر إيداهور المحترف في صفوف المريخ السوداني، الحياة خلال مباراة فريقه بنادي الأمل بعد نوبة قلبية داهمته، وتوفي أنطونيو بويرتا خلال مباراة فريقه إشبيليا الافتتاحية للموسم في الدوري الإسباني أمام خيتافي عام 2007، وفي العام نفسه، كان مدرب فريق ماذرويل الإسكتلندي يستعد لاستبدال فيل دونيل، لكن الأخير سقط فجأة في الملعب وتوفي بسبب تضخم البطين الأيسر، وحاول أطباء النادي حينها إنقاذ حياته لكنه توفي بعد بضع ساعات في المستشفى، وفي نيسان 2012، كان بيرماريو موروسيني يلعب معاراً في ليفورنو من أودينيزي عندما تعرض لسكتة قلبية خلال مباراة لفريقه في السيري بي أمام بيسكارا، وفي الشهر نفسه، ولكن بعد 3 سنوات، توفي البلجيكي غريغوري مرتنز خلال مباراة فريقه لوكيرن، وأخيراً، وليس آخراً، الكاميروني باتريك إيكينغ يسقط ميتاً، في السادس من أيار 2019، خلال مباراة فريقه دينامو بوخارست الروماني.
من الناحية العلمية للموضوع، أظهرت دراسة جديدة لدورية “نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين” جمعت بيانات ومعلومات طبية لنحو 11 ألفاً و168 لاعب كرة قدم شاباً في بريطانيا، على مدار 20 عاماً، أن مخاطر موت لاعبي كرة القدم بسبب توقف القلب عن الخفقان أعلى بكثير مما كان يعتقده الأطباء من قبل. وطبعاً، فاللاعبون الأكثر عرضة للأزمات القلبية هم اللاعبون المحترفون، لأن إرهاق القلب في التدريبات المكثفة يزيد من خطر إصابتهم بهذه الأمراض، بسبب ارتفاع نسبة الأدرنالين في الدم أو نقص السوائل والجفاف.
لكن المرعب في القضية أن أحداً لم يتأكد إلى الآن من كيفية حدوث الوفيات الشائعة من السكتة القلبية، حيث تشير التقديرات إلى وفاة اثنين من بين كل 100 ألف لاعب، ولكن الدراسة الأخيرة تفيد بأن الرقم أعلى ويصل إلى سبعة من بين كل 100 ألف لاعب، وهذا يدعو القائمين على اللعبة دولياً إلى أخذ الموضوع بجدية أكثر، وإدراك حقيقة أن معدلات الوفيات أعلى مما كنا نعتقد. وبحسب الدراسة، وعلى مدار 20 عاماً من الفحص، وجد أن هناك 42 لاعباً في الأكاديميات معرضون للخطر، فكيف ستكون النسبة لو شملت كلّ من يمارس هذه الرياضة؟!.
وتتضمن العلاجات المقترحة إلى الآن الجراحة التصحيحية في حال معرفة المرض وتشخيصه قبلاً، وهو أمر غير متوفر حالياً، إضافةً إلى استخدام عقاقير القلب، فقد مات ثمانية لاعبين أثناء الدراسة، ونجح الأطباء في تشخيص إصابة ستة منهم فقط، وكشف الفحص أنهم يعانون مشكلة في القلب، ونتيجةً لهذه الدراسة، اعتمد الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم واحداً من أكثر برامج فحص القلب شمولاً في تاريخ الرياضة، وهو يطبق على اللاعبين الصغار حتى يتفادوا أي مشكلات مستقبلاً، أي أن المسؤولية تلقى في هذه الحالة على اللاعب وعائلته، لكن الأمر يصبح أكثر تعقيداً عند الكبار، رغم أن اللاعبين حالياً محاطون بظروف طبية أكثر أماناً، مقارنةً بالعقدين السابقين سواء في الأندية أو في المباريات.
في الختام.. صحيح أن الفوائد الصحية للعب كرة القدم كثيرةٌ، لكننا يجب أن ندرك أن عدداً قليلاً جداً من ممارسيها قد يواجهون خطراً متزايداً لتشوهات القلب بسبب التدريب الصعب، فاللعب في البطولات الكبرى، مثل كأس العالم واليورو، والتي تقام كل 4 سنوات، يعدّ دافعاً قوياً لأي نجم حتى يبذل كل طاقته للوصول إلى التتويج، وخاصةً إذا ما وضعنا في الاعتبار حالة منتخب بلاده الفنية، وحاجته إليه، أو حاجته هو لمنتخبه لإعادته إلى الضوء، أو مشاركته النجاح، فضلاً عن أن عامل السن قد يجعل تلك البطولة الكبرى في بعض الأحيان هي الأخيرة للاعب في مسيرته. وطبعاً، يضاف لهذا كله العامل المادي الأهم هذه الأيام، فمع ارتفاع رواتب اللاعبين، وما يتقاضونه من الدعاية والإعلان، يتوجّب على اللاعب المحافظة على “ألقه” حتى يضمن استمرار الطلب عليه.