قرى طرطوس العطشى مروية.. على الورق فقط!!
طرطوس – محمد محمود
القرى العطشى، توصيف سميت به مجموعة قرى في ريف القدموس وبانياس بمحافظة طرطوس قبيل عام 2014، حيث عانت تلك المناطق مشاكل عديدة مع مياه الشرب، ورغم سنوات الحرب وتفاقم الأزمة، تم القيام بمجموعة إجراءات حسّنت الواقع قليلاً، حيث تم مد خط جر ثان للمياه من نبع السن، وعادت لتسمى قرى مروية، لكن المشكلة مازالت مستمرة، وتم حلها بشكل جزئي فقط، فالقرى “المروية” تقع في مناطق مترامية البعد عن بعضها، وذات طبيعة جبلية وعرة، لذا تتناوب في توزيع دور مياه الشرب، ولا يصل الدور لبعضها إلا بمعدل مرة كل عشرين يوماً، وتحتاج لحلول جذرية، بعضها يمكن المباشرة بتنفيذه، وبعضها يتطلب سنوات، واعتمادات مالية كبيرة، في ظل معاناة كبيرة للسكان لتأمين المياه للشرب، ولسقاية محاصيلهم التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد لمعظمهم، خاصة في قرى وبلدات ريف القدموس الشمالي الغربي: (الدي- نواطيف- جارة الوادي- باب النور- شمسين- الطواحين- رام ترزة- حدادة).
شكاوى متعددة
تكثر القصص والشكاوى من سكان تلك المناطق نتيجة لوضع المياه السيىء، إذ يصبح المرء مضطراً لترشيد كمية المياه التي يستهلكها عند أي استخدام وفقاً لما يتحدث به الأهالي في تلك المنطقة، إضافة لمعاناة كبيرة في تأمين مياه الشرب، ويتحدث علي سلامة، أحد سكان تلك القرى: صحيح أن السكان يقومون خلال الشتاء بتجميع مياه الأمطار عن طريق سطوح المنازل، والاستفادة منها في خزانات، لكنها غير كافية، فالمعاناة تصبح كبيرة صيفاً بسبب زيادة الحاجة للمياه، وانقطاع الأمطار، واعتمادنا على المياه الرئيسة فقط، ونقص المياه يدفعنا دائماً إلى شراء المياه من خلال الصهاريج، وهذا يمثّل عبئاً مادياً على العائلات التي تسكن المنطقة بوجه عام.
معاناة كبيرة
يصف أحمد حسن، رئيس بلدية قرية الطواحين، المشكلة في قطاعه بالمعاناة الكبيرة، حيث يبيّن في لقاء معه أن مجموعة قرى التناخة – عين حسان – الحاطرية – الطواحين – شمسين – النواطيف – الدي – جارة الوادي – باب النور – حدادة – بدوقة – رام ترزة، تشرب على التسلسل من خط جر واحد من الخزان الموجود في جبل المولى حسن بالقدموس. ولو افترضنا أن قرية شربت يومين، فهذا سيجعل الدور مرة كل 25 يوماً، فالحقيقة أن كمية المياه الواصلة إلينا قليلة جداً، وهي تتراوح من متر مكعب لمترين كل يوم، والمعاناة كبيرة والأقل بالحلول، ويضيف: هذا العام لم تمطر، فتضاعفت المعاناة، ونحن ببداية فصل الصيف، رغم أن الأهالي جهزوا حفراً في الأرض، ووضعوا فيها شرائح نايلون ليتم تعبئتها للسقاية والغسيل، ولكن هذه مكلفة بالنسبة للبعض وغير مجدية كثيراً، ويتحدث حسن عن أن كلفة نقلة المياه بالصهريج سعة 20 برميلاً تبلغ 35 ألف ليرة من نبع حيالين إلى القرية، وعن دور البلدية يتحدث: نعمل مع مؤسسة المياه بقدر الاستطاعة ووفق الإمكانية، لكننا بحاجة لحلول جذرية، فالمطلوب تنفيذ المزيد من الخزانات البيتونية، مع البدء بحلول مد خطوط الجر الجديدة، ويختم: أرسلنا مؤخراً كتاباً للمحافظة لإرسال صهريجين لنقل المياه لجرد الطواحين، وننتظر الاستجابة على أمل تحسّن الواقع.
عدالة أدوار
في المقابل يقدم رؤساء بلديات باقي القطاعات في القرى العطشى طروحات مماثلة، ويطالبون بالتعجيل بحلول جذرية، وبعدالة التوزيع في الضخ، حيث يتحدث رئيس بلدية الدي عيسى إبراهيم عن تعديات كبيرة على خط الجر الذي يغذي القرية ويحول دون حصول السكان على حصص مناسبة من المياه، ويضيف: يلجأ الأهالي للتغلب على مشكلات نقص المياه لإقامة خزانات بسعة 100 إلى 200 برميل تعبأ خلال فصل الشتاء من أجل الاستهلاك المنزلي، لكنها غير كافية في الصيف، حيث يتم الشراء من الصهاريج بثمن باهظ جداً، ويتابع: الحل الذي يخدم قطاع بلدية الدي هو تزويد القطاع بخط جر من القدموس- شكارة البحري بشكل مباشر أو عن طريق جارة الوادي طريق عام القدموس، لكن هذا الحل لم يوافق عليه في مؤسسة المياه، كما تم حفر بئر بعمق 650 م، وغزارة 1,5 انش، وتمت تجربته لمدة 72 ساعة، وبعدها اعتبر هذا البئر فاشلاً، ويكمل: هناك حلول كثيرة أهمها تنفيذ خط الجر الثالث، لكنها حلول طويلة الأمد، وتتطلب إمكانيات مادية كبيرة، وبحاجة لدعم منظمات دولية، وحتى ذلك الحين نقوم بحلول مؤقتة، حيث تمت هذا العام، بالتعاون مع جمعية وطن التنموية، دراسة إقامة خزان مائي ضخم بمساحة 4 دونمات “بيتوني”، والإضبارة الفنية جاهزة تقريباً في الموارد المائية، وبانتظار التمويل أيضاً، ويختم: نرجو أن يصل صوتنا ومعاناتنا لكل أصحاب الشأن، فمشكلة هذه القرى قديمة جداً، وعندما نتحدث عن دعم الزراعة أو الفلاحين في تلك المناطق، فنحن بحاجة لحل مشكلة المياه، والنظر إليها بشكل جدي، بتأمين مصادر دائمة، وإنهاء حلول الاعتماد على الصهاريج المكلفة مادياً.
جهود سابقة
متابعة للموضوع في مؤسسة المياه للوقوف على حقيقة الأمر، وتقديم رؤى جدية للمعالجة، تم سؤال معاون مدير مؤسسة المياه أحمد حسامو ليضع أمام أيدينا مجموعة معطيات عن المشكلة، حيث أوضح أن المؤسسة، حتى خلال فترة الحرب الظالمة، قامت بإنجازات عدة لتحسين واقع المياه، وتخديم ما يسمى القرى العطشى في المحافظة، إضافة لاستثمار خط جر ثان للمياه من بانياس للقدموس بغزارة 300 متر مكعب، حيث تم تنفيذه بداية عام 2015، وهو خط مكوّن من 4 محطات ضخ جديدة تم تجهيزها بمجموعات ضخ أفقية، وهو أمر كان له أثر كبير بإحداث نقلة نوعية لوضع المياه في تلك المناطق، إضافة لإنجازات أخرى، منها حفر آبار مياه في المحطة الأولى القديمة، والمحطة الأولى الجديدة ببانياس، بغزارة تقارب 800 متر مكعب بالساعة، وتم تحديث المحطة الخامسة للمياه في مدينة القدموس بالتعاون مع المنظمات الدولية، حيث يتم ضخ المياه حالياً لجبل المولى حسن الذي يشكّل حالياً المصدر الرئيسي لمياه الشرب في ريف القدموس، وتم تأمين مجموعات توليد لمحطات خط الجر الثاني باستطاعات لا تقل عن 1000 ك.ف.أ، وربط محطات خط الجر الثاني من المحطة حتى المحطة الرابعة بخطوط توتر مستقل خارجة عن التقنين، بكلفة 380 مليون ليرة سورية، وأضاف: بعد إنجاز خط الجر الثاني قامت المؤسسة بتحديث محطات خط الجر الأول من المحطة 1 و2 عام 2016، حيث أدت هذه الأعمال لتحسّن الواقع المائي بشكل كبير في المدينة، وانخفض دور المياه من 12 يوماً في مدينة القدموس إلى ضخ بشكل يومي، إضافة لانخفاض الدور في ريف القدموس الشمالي الغربي من 50 يوماً عام 2012 إلى دور كل 17 يوماً في الوقت الحالي بعد تطبيق عملية فصل الشبكات في تلك القرى.
قراءات مقبولة
ويستشهد معاون مدير المؤسسة بأرقام وقراءات مقبولة لعدادات المياه في قرى تلك المناطق، حيث يقول إن حصة نصيب الفرد بحسب مؤشرات القراءة في ريف القدموس الشمالي الغربي هي 53 ليتراً محققاً، و 85 ليتراً منتجاً، أي ما يعادل 3 ليترات باليوم، وهي نسبة مقبولة وتساوي حصة نصيب الفرد في مدينة دمشق تقريباً، لكن المشكلة هي استخدام هذه المياه في السقاية، والتعديات الكثيرة على الخطوط في أماكن كثيرة على طول خط الجر لتلك القرى، حيث يتم ضخ المياه من المستوى (0) إلى خزان جبل المولى حسن الذي يرتفع 1256م عن سطح البحر، ثم تضخ ثانية لتلك القرى بالتناوب حتى مسافة تصل لـ 25 كم عن الخزان، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الجغرافي للمنطقة باعتبارها منطقة جبلية، وفيها مرتفعات ووديان كثيرة، ويضيف حسامو: بالرغم من ذلك تم التعاقد بقيمة 135 مليون ليرة لفصل بعض خطوط المشتركين عن خطوط الجر الرئيسية، وهو الأمر الذي كان يتسبب بجزء من المشكلة، إضافة لإنجاز دراسة استراتيجية بكلفة 15 مليار ليرة هي خط الجر الثالث، حيث تم إنجاز الدراسة بالكامل، وسينفذ المشروع تباعاً وفق توفر الاعتمادات المالية له، وتم أيضاً تأمين المصدر المائي له، حيث قامت المؤسسة بحفاراتها بحفر بئرين في دير البشل ببانياس بغزارة 270 متراً مكعباً بالساعة كمصدر مائي للمشروع، وسيتم استكمال تنفيذه على مراحل.
سبب المشكلة
ويتابع معاون مدير مؤسسة المياه: إن سبب المشكلة المستجدة في تلك القرى هو قطع المياه خلال قيام المؤسسة بتحديث المحطات، حيث تم استبدال تجهيزات المحطة الثالثة والرابعة، وهو الأمر الذي أدى لبعض التوقفات انعكست على طول الأدوار، إلا أن تركيب هذه التجهيزات أدى وسيؤدي لتحسّن سيلمسه السكان خلال الفترة القادمة، كما حدث في مدينة القدموس، والمشكلة لن نتمكن من علاجها جذرياً إلا بتنفيذ حلول طويلة الأمد، فاليوم اتساع المساحات المزروعة في تلك القرى، واعتمادها على مصادر مياه الشرب يزيدان الوضع سوءاً، وهو الأمر الذي تمت ملاحظته بتعديات على الشبكة تم ضبطها في آخر كشف، وتغريم المتلاعبين.
ويختم: المطلوب اليوم هو التوسع ببناء سدات مائية تخفف الضغط عن مياه الشرب لاستخدامها في المساحات المزروعة، فالمعلوم أن الطبيعة البيولوجية للمنطقة يندر معها وجود أية نقاط أمن مائي، وسيكون الاعتماد الرئيسي على هذه السدات التي تخزن مياه الأمطار لحين الانتهاء من مشروع خط الجر الثالث الذي سيحل المشكلة بشكل جذري عند تنفيذه.
ختاماً
يمكن القول: إن المطلوب هو العمل بطريقة أكثر جدية، وضمن رؤية استراتيجية لتلك القرى، سواء ببدء العمل بخط الجر الثالث وتأمين المصادر المالية لتنفيذ المشروع، أو بالتوسع بحفر السدات المائية لتخزين المياه، كما يطرح معظم الأهالي، فالمشكلة وإن كانت تتحدث عن مياه الشرب، والمعاناة الكبيرة في وصولها إلى تلك القرى، لكنها أبعد من ذلك بكثير، خاصة حين نتحدث عن قرى تعتمد الزراعة بشكل أساسي لتأمين مصدر الرزق، فالحديث عن دعم الفلاحين ودعم الزراعات في تلك القرى لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن توفير مصادر مائية دائمة ومستقرة تخفف معاناة السكان، وتسهم في تنمية قراهم وتطويرها.