رأيصحيفة البعث

“الملف الإنساني”.. سلعة للبيع!

فايز طربوش

تسعى الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة جاهدة لتمديد ما تسمّى “آلية إيصال المساعدات عبر الحدود”، تحت ذرائع وحجج واهية بأن ذلك كفيل بتحسين الوضع الإنساني في سورية، متناسية أن تلك الآلية كانت إجراء استثنائياً مؤقّتاً، لم تعد الأسباب والظروف التي دفعت إلى تبنيها قائمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تتجاهل تلك الدول والأنظمة الأسباب الجوهرية والحقيقة للأزمة الإنسانية في سورية، وفي مقدّمتها الإرهاب، الذي صنعته ودعمته هي نفسها، والإرهاب الاقتصادي المتمثّل بالإجراءات القسرية أحادية الجانب، الأمريكية والأوروبية، ضد الشعب السوري، والتي طالت كل المواطنين السوريين في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية، وحالت دون حصولهم على احتياجاتهم المعيشية الأساسية.

“آلية إيصال المساعدات عبر الحدود”، والتي تمّ إنشاؤها أثناء القتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية، تمّ تبنيها في عام 2014، وتنصّ على دخول المساعدات عبر أربعة معابر، وهي باب السلام وباب الهوى “من تركيا” واليعربية “من العراق” والرمثا “من الأردن”. وبعد تحسّن الأوضاع الميدانية، وعودة أغلب الأراضي إلى كنف الدولة السورية، والقضاء على “داعش” على أيدي الجيشين السوري والعراقي والحلفاء والأصدقاء، تمّ إبقاء عمل معبر باب الهوى- والذي يسيطر عليه تنظيم “جبهة النصرة” المصنّف على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية ويستخدمه لتمويل أنشطته الإجرامية وكسب الولاءات وتجنيد إرهابيين جدد- واليوم تسعى واشنطن، ومن لفّ لفها، لاستئناف العمل بمعبر اليعربية، الذي تستخدمه لتعزيز وجودها اللاشرعي في الجزيرة السورية، وسرقة النفط وغيره من ثروات وخيرات البلاد، بالتعاون والتواطوء مع أدواتها من ميليشيا “قسد” الانفصالية.

مشروع القرار “الإنساني” الجديد، الذي قدّمته النرويج وإيرلندا إلى الأمم المتحدة، تزامن مع عدوان أمريكي استهدف المناطق الحدودية السورية العراقية، وقطع قوات الاحتلال التركي، وللمرة الخامسة والعشرين، المياه من محطة علوك، مهدّدة حياة أكثر من مليون مواطن في الحسكة وريفها، واعتداء الميليشيات الانفصالية على شبكة الكهرباء المغذية للمحطة، وتخفيض نظام أردوغان منسوب جريان نهر الفرات عن النسب القانونية المتفق عليها بموجب اتفاقية عام 1987، وغيرها من جرائم الحرب- والتي تنتهك كل المواثيق الدولية والاتفاقيات وصكوك حقوق الإنسان- بحق الشعب السوري، الأمر الذي يطرح العشرات من علامات الاستفهام.

أليس من الأجدى رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إجراءاتهما القسرية أحادية الجانب، التي تمنع وصول الدواء والغذاء والوقود للشعب السوري، من معابر لم تستخدم خلال السنوات الماضية إلا لتهريب السلاح والمال والإرهابيين إلى سورية، ودعم الميلشيات الانفصالية؟!. أليس من الأجدى إلزام الولايات المتحدة بالتوقّف عن سرقة النفط والقمح والآثار وحرق المحاصيل الزراعية، وإلزام نظام أردوغان- والذي يواصل احتلال أجزاء واسعة من شمال سورية وسرقة ونهب مقدرات الشعب السوري وثرواته وموارده الطبيعية وممارسة التهجير والتغيير الديمغرافي والتتريك- بإعادة تشغيل محطة مياه علوك وضخ 500 متر مكعب بالثانية من مياه الفرات، والاحترام التام لسيادة ووحدة أراضي وشعب سورية، وعدم التدخل بشؤونها الداخلية، من مؤتمرات فارغة، روما مثلاً، لا تقدّم إلا الوعود الكاذبة؟!.

معالجة المشكلة الإنسانية في سورية لن تتم من خلال توزيع المساعدات، أو اتهام الحكومة السورية بعدم التعاون، وتحويل “الملف” إلى سلعة للبيع والمتاجرة، بل بإنهاء الإجراءات الأحادية القسرية- والتي لا تطال أصلاً إلا المواطنين السوريين في احتياجاتهم الأساسية- فوراً، ووقف التدخل في شؤون سورية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والتوقف عن اجترار وصفات فاشلة- تسببت بتدمير وتخريب أكثر من بلد، وخاصة العراق وليبيا- لتحقيق أجندات استعمارية على حساب دماء الشعب السوري ومقدراته ومستقبل أبنائه.