الصين وقيادة العالم
ريا خوري
تسعى جمهورية الصين الشعبية من خلال تحركاتها الدولية للوصول إلى ما تستحقه عالمياً بطريقة ناعمة وبناء عالم تنتهي فيه القطبية الأمريكية، وهي ما زالت تعمل على زيادة حجم مشاركتها الفعّالة فيه باستمرار. من الواضح أن الإستراتيجية الصينية تقوم في الأساس على عامل الزمن والانتظار الإيجابي الطويل، ولا يتعجل الصينيون في سيرهم نحو عالم متعدّد الأقطاب، خاصة وأن الورطة الكبيرة التي وقعت فيها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان حطّت من مكانتها كثيراً وعزّزت في المقابل من موقف الصين في العالم.
من الواضح أن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي حول محاولات الهيمنة والسيطرة الأمريكية، وتجلّى الموقف القويّ للصين من خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ، بمناسبة الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الحاكم، حيث وجّه رسائل عدة، اتّسمت بنبرة شديدة وحادة تذكّر بتصميم هذا العملاق الآسيوي الطموح على انتزاع المكانة الدولية الحقيقية التي يرى نفسه جديراً بها، متعهداً بتعزيز قوة الجيش الصيني القويّ لحماية سيادة البلاد وأمنها وتنميتها وصعود الصين إلى مستوى المعايير العالمية، وأشار إلى حرب باردة وشيكة الوقوع بين القوى الدولية الكبرى، مؤكداً أن هذه حقيقة تبدو واقعية إلى أبعد الحدود على الرغم من محاولات الإنكار والتلاعب الدبلوماسي بالألفاظ واستخدام الدبلوماسية الناعمة وإخفاء دبلوماسية المدفع التي يمكن أن تظهر في أي وقت دون تردّد.
الرئيس الصيني شدّد على أن زمن التنمّر والتطاول على الصين ولّى إلى غير رجعة، سارداً تاريخاً حافلاً وغنياً لشعبه في مواجهة حروب الأفيون الخطيرة التي شنّتها بريطانيا ومن ثم فرنسا، والاستعمار الغربي، والغزو الياباني، قبل أن يطلق عبارة بالغة الدلالة والقوة تؤكد أن الشعب الصيني نهض كالمارد من قمقمه.
في الحقيقة تبدو معالم القوة الصينية الصاعدة لا تخفى على أحد، ولكن على الدول الغربية الإقرار بذلك، وإيجاد سبل للتعايش مع هذه الحقيقة الواقعية. وما يعزّز هذه الفرضية هو قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الكثير في الكرة الأرضية سيتغيّر حين يعي الجميع أن العالم ليس أحادي القطب، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست قائدة العالم، وضرب مثالاً على ذلك جمهورية الصين الشعبية التي يشكل ناتجها المحلي 120%. الملفت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يضرب المثل ببلاده روسيا، بل بحليفته القوية الصين التي أصبحت معدلات نموها وتطورها كبيرة جداً لمن ينكرها أو يتجاهلها أو يتردّد في التعامل معها.
الصين دولة عظمى لها مقومات كبيرة قد لا تمتلكها دول أخرى في العالم، بما فيها الولايات المتحدة والإمبراطوريات الأوروبية السابقة، فقد استطاعت هذه الدولة في زمن قياسي أن تسيطر على طرق التجارة العالمية، وأن تضخ تريليونات الدولارات في استثمارات ضخمة جداً لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي والاقتصادي الحديث والمعاصر، وتمتلك صناعة تكنولوجية فائقة الدقة وشرائح إلكترونية، ومشاريع فضائية متطورة جداً ومتقدمة وواسعة الطموح، فضلاً عن شعب يقدّر تعداده بنحو مليار وأربعمائة مليون نسمة، ما يمثّل قوة بشرية هائلة عملت طويلاً بصمت بعيداً عن الأضواء والإعلام والصراعات حتى بلغت اللحظة الضرورية الحاسمة.