“يوغا البصيرة”
غالية خوجة
أن تكون روحك شفافة الوعي مثل أشعة نقية ومياه صافية، كريستالية الأخلاق كأنها الموشور الكوني، ألماسية العطاء لا تنضب أبداً، ذهبية المنطق والتفكير مثل أشعة سورية، فضية الإيجابية مثل قمر يمنح الطمأنينة للجبال والسنابل والأنهار والأودية والمحيطات والكواكب، فهذا يعني أن لروحك مقاماً سابعاً مضيئاً بالبصيرة القلبية والعقلية، متكاملة بين وشيعة الكلام والسلوك الخيّرين حتى لو اتهموك بالفقر والبؤس والتجذّر إلى هابيل لا قابيل.
هل تساءلت، لحظةً، عن صفائك الروحي وكيف تدربه على النمو أكثر ليكون اليخضور للشجر، والعطور للورود والتربة والمطر؟
بلا شك، ترتفع بوصلة النقاء الروحي من خلال الإيمان العميق الذي يقِرُ في القلب ويصدّقه العمل، ولهذا النقاء شُعَبٌ لا تحصى تنطلق من عمل الخير الذي يجذب الطمأنينة لدواخلنا ودواخل الآخرين، فتنعكس الراحة مثل بزوغ الفجر على شفق السلام، لتحلق عصافير التأمل بألوانها وزقزقتها فوق الجليد والغابات والبيئة، تحلق مع موسيقا الكينونة بأنغامها وأنواعها، بسكونها وحركتها، وسباحتها الأثيرية بين مدار الأرض ونواة الأرض ومجرة التبّانة.
ثمّ، وكان أن تجذرت هذه التأملات في الفراغ الكوني وجذور القلوب والأفئدة ومولوية الأرواح الفاعلة المتفاعلة المضيئة، لتخبرنا عن أحوالنا وأحوال العالم، عابرة أنفاق الظلمة الذاتية والخارجية، ورطوبة الكهوف الواقعية والرمزية والجوانية، ومراحل الحضور والغياب، لنجد أنفسنا في مقام يشبه “يوغا الروح”، وهو أقرب إلى “برجوازية” الروح، بالمعنى المجازي، منه إلى برجوازية المادة الزائلة.
وربما، في هذه اللحظة، تشعر بواطنك من خلال عقلك الباطن بحياة مختلفة، تطل من “البرزخ” الذي اعتاد الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي أن يطل منه على الحرف والكلمة والعمل وروحه وروح العالم والكون.
وضمن هذا المعراج الرهيف الخالص الصفاء، يتفاعل وعيك وعقلك الظاهر مع الأشعة النورانية ودورانها وغنائها وإنشادها دون أن تدرك مصدرها، لكنك على يقين، بأنها حالة اصطفاء من الخالق. وداخل هذا المعراج تكتشف كيف يبرز التجلّي الروحي طالما أنك من الموقنين بضرورة التخلّي المادي.
أو ليست المادة ذرات تتكاثف وتتثاقل لتتجسّد بأبعادها المرئية وغير المرئية طولاً وعرضاً وارتفاعاً وزماناً زائلاً ومكاناً زائلاً؟
أو ليست الروح نوراً شعاعياً أثيرياً رائياً مبصراً مجرداً مشرقاً حتى في الغروبات الحقيقية والافتراضية واللا متوقعة؟
هل تساءلت، لحظة، كيف تجعل روحك نقية تفيض نوراً ليكون جسدك وعقلك وقلبك وذاتك ونفسك ولسانك وعملك وقبرك نقياً؟
بيقين مبصر، جميعنا تساءلنا ونتساءل، وبحثنا ونبحث عن “اليوغا المعنوية، أو يوغا البصيرة”، وكيفية الوصول إليها، والعبور منها إلى بوصلة النور الذي لا يصدأ ولا يفنى، وعن درجاتها ومقاماتها وانتشارها الناصع الموزع للخير والطمأنينة على العالم والفضاء، والذي يبدأ مع مساعدة طفل أو شاب أو عجوز على الابتسامة بفعل ما، دون أن ننتظر من أحد حتى كلمة “شكراً” رغم مفعول هذه الكلمة السحري على المزيد من العطاء.
أن تكون روحنا نقية يعني أن تتخلى عن المادة بكافة أشكالها، عن الشوائب العالقة بالقلب والضمير والعقل والروح، أن نتخلى عن الطاقة السلبية ومنها الحقد والحسد والجشع والإيذاء والتهافت.
أن تكون روحاً نقية يعني أن تدافع عن نفسك وعائلتك ومجتمعك ووطنك، وأن تضيف المزيد من الفعل الإيجابي ليعمّ الخير والبناء والتضافر والتعاضد والتشابك المضيء والتشبيك الرائي للآن والماضي والمستقبل.
هلمّوا بنا لننشد النشيد الخالد الذي لا يفنى مع الزائل، بل يفني ذاته من أجل أن يحيا الجميع بمحبة وأمان وسلام.