تعاون وثيق بين “النصرة” والنظام التركي.. ومحاولات محمومة لتلميع صورة “الإرهاب الدولي”
“البعث الأسبوعية” ــ المحرر السياسي
يوماً بعد يوم تتوالى الأدلة على تورّط النظام التركي بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية، وخاصة “جبهة النصرة” الإرهابية، تسليحاً وتدريباً وتمويلاً، لتضاف إلى عشرات الأدلة الدامغة التي أكدت ارتباط الإرهابيين بأردوغان، ولكن الأخطر اليوم محاولات هذا النظام، والدول الغربية من ورائه، تلميع صورة “النصرة”، وتقديمها كـ “لاعب سياسي معتدل”.
أسلحة ومعدّات متطوّرة إلى “النصرة”
العلاقة بين النظام التركي و”النصرة” ليست بجديدة، فقد اعترف وزير داخلية النظام التركي – آنذاك – معمر غولار، في تموز 2014، أن تركيا تساعد إرهابيي النصرة، وأن مدينة الاسكندرونة الحدودية قد أصبحت مركزاً لعبور المقاتلين ولتوفير الدعم اللوجستي والتدريب والرعاية الصحية، فيما اعترف التنظيم، في أيار 2018، بالعلاقات المتينة مع تركيا.
وخلال شهر أيار الفائت، نشر متزعم المافيا التركية، سادات بكر، مقاطع فيديو على موقع تويتر، فضح فيها علاقته بمسؤولين في النظام التركي، بمن فيهم وزير الداخلية سليمان صويلو، المقرّب من أردوغان، وضلوع أعضاء في حزب العدالة والتنمية الحاكم في جرائم قتل وعمليات فساد، ونقل معدات عسكرية إلى التنظيمات الإرهابية في سورية، وخاصة “النصرة”.
وكتب بكر، في تغريدة له على توتير: “المكالمة الهاتفية التي أجريتها مع سردار أكشي، صاحب شركة لازويل لتوزيع النفط، وزوج ابنة شقيق أردوغان، بشأن ضرب نائب في مركز الشرطة وإمدادات عسكرية متجهة إلى سورية”.
وفي مقطع الفيديو، الذي بلغت مدته 13 دقيقة تقريباً، تلقى زعيم المافيا، البالغ من العمر 49 عاماً، تأكيداً من أكشي، بشأن معرفة ومشاركة الأخير في توفير الأسلحة لمساعدة التكفيريين في سورية، وبالأخص تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”، مبيناً أن اثنين من مساعدي أردوغان متورّطان في ذلك.
بكر أوضح أن كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية أرسلت إلى “جبهة النصرة” عبر شركة الأمن التركية “سادات”، التابعة للاستخبارات التركية، حيث قامت الشركة، برئاسة العميد التركي المتقاعد عدنان تانريفيردي، كبير المستشارين العسكريين لأردوغان، بعمليات التهريب هذه في عام 2018، فيما كان رئيس الشؤون الإدارية في الرئاسة التركية متين كيراتلي مسؤولا بشكل مباشر عن عمليات الاتجار غير المشروع، التي يقوم بها النظام التركي ومرتزقته في سورية.
وكان بكر أكد، في فيديو سابق نشره شهر نيسان، أن تركيا أرسلت أسلحة إلى عناصر “النصرة” في سورية من خلال “سادات”. كما شارك، في ذات المقطع السابق، تفاصيل التعاون بين المسؤولين الأتراك و”جبهة النصرة”، مشيراً إلى أن متين كولونك، نائب من حزب أردوغان الحاكم، شارك في الخطة، من أجل الحصول على إذن لإرسال الشاحنات عام 2015.
وأحيت اتهامات بكر فضيحة شاحنات معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” عام 2015، حيث تمّ القبض حينها على جهاز المخابرات التركي، وهو ينقل أسلحة إلى التكفيريين في سورية تحت ستار المساعدات الإنسانية، فيما أقر بكر حينها بإرسال شاحنات محمّلة بمعدات تكنولوجية، بينها طائرات دون طيار، لمجموعات إرهابية متطرّفة بريف اللاذقية. ونشر حينها على حسابه في شبكة التواصل الاجتماعي صوراً للمعدات والأجهزة التي أرسلها للإرهابيين تتضمّن طائرات دون طيار وحواسيب محمولة وأجهزة لاسلكية وكاميرات فيديو وأجهزة فاكس وطابعات إضافة إلى كاميرات الفيديو المثبتة على الرأس.
تلميع صورة “النصرة”
الأخطر من كل ذلك محاولات الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، تلميع صورة الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني، متزعم “جبهة النصرة”، التي بدّلت اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ يركّز هذا الإعلام على حملة “الجولاني” الأمنية لاعتقال التكفيريين ضمن مناطق سيطرته في إدلب والأرياف المحيطة بها، متناسياً أن هؤلاء كانوا يقاتلون في صفوف “الهيئة” عندما كان اسمها “جبهة النصرة”.
يضاف إلى ذلك أن تلك الوسائل الإعلامية، الأمريكية والأوربية، منحت متزعم “النصرة” منصّة للترويج لنفسه كـ “شخص معتدل” يمكنه المساهمة في عملية التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة في سورية.
الإرهابي الجولاني، الذي يرغب في تقديم نفسه بمظهر عصري محاولاً إزالة صورته النمطية كقيادي لتنظيم متطرّف من أذهان الغرب، أكد خلال الحوار، الذي أجرته معه محطة شبكة التلفزة الأمريكية “بي. بي. إس” بالشراكة مع موقع “فرونت لاين”، أن تنظيمه “لا يشكّل أي تهديد أمني أو اقتصادي للولايات المتحدة والدول الغربية”!، مضيفاً: أن ما يقوم به “يعكس المصالح المشتركة للتنظيم مع الولايات المتحدة”!
ما قاله الجولاني في المقابلة يؤكّد ما أكده جيمس جيفري، الذي عمل سفيراً في عهد الإدارتين الجمهورية والديمقراطية ومبعوثاً أمريكياً خاصاً، حيث قال: “إن تنظيم الجولاني يشكل رصيداً لإستراتيجية واشنطن في إدلب”، التي اعتبرها من أهم المناطق في سورية والشرق الأوسط حالياً بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يروّج المحلل سيث فرانتزمان، في “جيروساليم بوست” الإسرائيلية، للفكرة نفسها، زاعماً: “إن المتطرفين يمثّلون أنفسهم، إلا أنهم لا يشكلون تهديداً لأمن أوروبا والولايات المتحدة”، مضيفاً: “في ساحة المعركة يمكن استخدام “هيئة تحرير الشام” “كأداة من قبل تركيا” ضدّ “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة”.
وخلال شهر أيار الماضي، كشفت مصادر أن ممثلاً لجهاز الاستخبارات السرية البريطاني “ام اي 6”، المبعوث الخاص البريطاني السابق إلى ليبيا جوناثان باويل، التقى مؤخراً الإرهابي “أبو محمد الجولاني” في إدلب بالقرب من معبر باب الهوى على الحدود السورية مع تركيا،، واقترح رفع اسم التنظيم من قائمة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية مقابل خدمات يقدمها التنظيم الإرهابي للدولة الراعية بريطانيا، موضحة أن الاستخبارات البريطانية اقترحت على متزعم التنظيم الإرهابي “إعلان رفض الأنشطة التخريبية ضد الدول الغربية وإقامة تعاون وثيق معها، وإجراء مقابلة مع أحد الصحفيين الأمريكيين لخلق صورة ايجابية للتحالف الإرهابي الذي يتزعمه من أجل إعادة تأهيله لاحقاً”.
ومحاولة تلميع صورة “النصرة” ليست جديدة على الإعلام الغربي، فخلال عام 2016 قامت وسائل الإعلام البريطانية بتغطية نشاطات “حركة نور الدين الزنكي” الإرهابية، متجاهلة جرام التفجير والقتل والذبح والصلب والتمثيل بالجثث والمجازر الجماعية بحق المدنيين الأبرياء والتي ارتكبتها طوال السنوات الماضية.
وتزامن هذا التوجّه مع تحركات تركية تحاول إعادة التموضع اصطفافاً مع الولايات المتحدة والدول الغربية في “الأزمة السورية”، على خلفية شعور أردوغان بأن فشله في الوفاء بالتزاماته في الشمال السوري، وتحديداً في إدلب، من شأنه دفع روسيا، بالتعاون مع الحكومة السورية، إلى الانطلاق بقوة لتغيير المعادلات القائمة.
تعاون وثيق بين تركيا و”النصرة”
وفي هذا السياق، لفت مقال في صحيفة “كوريير” للصناعات العسكرية إلى وجود تعاون وثيق بين تركيا و”هيئة تحرير الشام”، جبهة النصرة سابقاً”، في إدلب، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام التركية تتجنّب الخوض في مثل هذا الأمر.
وحسب ما ورد في مقال الكاتب الروسي فاسيلي أوشاكوف، فإن جهاز المخابرات التركي، وعدد من الخبراء الموالين للنظام التركي، قام مؤخراً بالضغط على قيادة البلاد لإضفاء الشرعية على “هيئة تحرير الشام” وتحويل جناحها السياسي إلى حزب قانوني في الأراضي السورية المحتلة من تركيا، وأوضح أن “هيئة تحرير الشام هي القوة الوحيدة القادرة على السيطرة على مشاحنات التشكيلات الأخرى وسوقها إلى المعركة. وعليه فإن الحديث يدور عن صفقة، لإضفاء الشرعية على تحالف الغزاة الأتراك مع جماعة إرهابية دولية”.
وأشار إلى أن “مثل هذه الخطوة ستدفن العملية الدستورية، لأن ثلث اللجنة الدستورية السورية تم تشكيلها من قبل المعارضة المرتبطة بتركيا من خلال التعاون مع الإرهابيين”.
ويرى فاسيلي أوشاكوف أن “انتعاش موضوع إدلب في وسائل الإعلام الغربية يأتي في محاولة لجعل هيئة تحرير الشام الإرهابية “جبهة النصرة سابقاً” شريكاً سياسياً”، وأوضح أن “هيئة تحرير الشام” هي من يسيطر على معظم المناطق في إدلب، وهي من يتحكم بالساحة “فلا أحد يستطيع التنفس بما في ذلك تلك التشكيلات التي وحّدها نظام أردوغان في ما يسمّى “الجيش الوطني السوري” و”الخوذ البيضاء” إلا بموافقة هيئة تحرير الشام. أولئك الذين لا يناسبهم ذلك يتم إرسالهم إلى السجن للأبد أو وقائياً، أو ببساطة يختفون”، وأشار إلى الموقف التركي المثير للكثير من الأسئلة، فتركيا التي تحتل أجزاء من شمال سورية لا تحاول تغيير هذا الوضع (تحكم هيئة تحرير الشام في كل شاردة وواردة)، وأضاف: “لا يحاول الأتراك، لسبب يعرفونه وحدهم تغيير هذا الوضع، ويتفاعلون مع هيئة تحرير الشام في جميع القضايا بما في ذلك تأمين مجموعتهم العسكرية في إدلب وإمداد اللاجئين وتصدير المنتجات الزراعية إلى تركيا”.
وعرض أوشاكوف كذلك إلى حالة التعتيم عن الاتصالات المباشرة بين نظام أردوغان والجماعة الإرهابية، وهي فرع القاعدة في سورية، مشيراً إلى أن أنقرة تعتمد في تواصلها مع “هيئة تحرير الشام” على هياكل إدارية محلية منها منظمة “الخوذ البيضاء”، الإرهابية.
وخلص إلى القول: إن كل هذه المعطيات تؤكّد أن اتفاقيات أستانا لم تسوف شروطها، ومنها القضاء على الجماعات الإرهابية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وانسحاب المسلحين إلى الشمال من الطريق السريع ام 4 في القسم الجنوبي من المنطقة ومن ريف حلب الغربي.