أردوغان.. أغرق جميع مراكبه
سنان حسن
بعد خمس سنوات لا يزال رئيس النظام التركي يواصل نفاقه السياسي وعربدته وابتزازه في المنطقة والعالم، من سورية إلى ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا واليونان وقبرص والبلقان وتشاد ومالي وأخيراً أفغانستان.
كلها ملفات سعى خلالها أردوغان إلى القول: إنه حقق حلمه في أن يكون سلطاناً عثمانياً يعيد أمجاد أسلافه الطورانيين، وفي الحقيقة هي هروب إلى الأمام في كل ملف يزعم من خلاله رئيس النظام التركي أنه استطاع بذكائه وفطنته، غير الموجودة، أن يبني هذا المجد، ولكن هل الواقع كما يصوّره هذا الطوراني الجديد؟، بالتأكيد لا، فتركيا اليوم تعيش على وقع مجموعة من الأزمات تبدأ بحزبه الإخواني الذي بدأت الانشقاقات تضرب أطنابها فيه، حيث أعلن 2500 عضو انسلاخهم عنه، بعد انشاق أبرز قيادات الصف الأول، إلى الاقتصاد الذي يئنّ تحت وطأة قراراته الاستبدادية والتفردية في تعيين المسؤولين عنه، ومنها إقالة وتعيين حاكم المصرف مرتين، إلى الحياة السياسية التركية التي باتت ملاحقة إما بتهمة الانقلاب أو الإرهاب للحفاظ على مكتسباته وسلطاته التي فصّلها على مقاسه هو فقط دون أحد.
أما خارجياً فالحال أن علاقات أردوغان الدولية تقود أنقرة إلى عزلة كبيرة، ومغامرات غير محسوبة، ولعل في الموقف الذي وضع نفسه به في أفغانستان من تحمّله مسؤولية حماية مطار كابول، ما يؤكد انفصاله عن الواقع وسعيه المستمر إلى أن يقول للعالم: أنا السلطان الحاكم بأمره؟!.
ففي عام 2016 وفي ليلة الخامس عشر من تموز اعتقد العالم للوهلة الأولى أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان ضحية انقلاب عسكري للإطاحة بحكمه الإخواني الممتد من 2003، وأن العسكر وجماعة غولن يريدون الاستيلاء على السلطة المنتخبة؟!، ولكن بعد خمس سنوات من المحاولة المزعومة يمكن التأكيد بنسبة كبيرة أن ما جرى في تلك الليلة من ليالي اسطنبول الصيفية لم يكن سوى مجرد فيلم هوليودي طويل كتبه أردوغان وترك لزبانيته من ميليشيات إخوانية أنشأها ككيانات موازية للأجهزة الأمنية التركية التعامل مع من يقف بوجه مشروعه الإخواني العثماني التوسعي، والنتيجة كانت إعدامات ميدانية وطرداً وفصلاً من الوظائف ومحاكمات صورية وملاحقات واختطافات لا تزال مستمرة حتى الآن، وبلغة الأرقام تمّ طرد ما يقارب 30 ألف جندي من الجيش وحده في مسعى لتغيير عقيدته، بينما تم فصل 17 ألف طالب من طلاب المدارس العسكرية في عملية تطهير ممنهجة لأكبر مؤسسة تقف بوجه طموحاته الإخوانية، هذا فضلاً عن الاعتقالات والطرد في مؤسسات الدولة المدنية التي وصلت إلى 170 ألف عامل.. والتهمة كانت جاهزة وهي المشاركة في الانقلاب، وإذا تعذّر الأمر فوصمة الإرهاب كما يجري حالياً مع ثالث أكبر أحزاب المعارضة التركية.
طبعاً، الحملة المسعورة لأردوغان لم تتوقف عند خصومه في المعارضة بل طالت كل الشخصيات القوية في حزبه بدءاً من رفيق دربه عبد الله غول إلى منظّر الحزب أحمد داود أوغلو وأخيراً مهندس الاقتصاد علي بابا جان، فكانت النتيجة النهائية لحملة القمع الكبيرة التي قام بها أردوغان وعصابته الإخوانية حصر كل السلطات في يده عبر التحول إلى النظام الرئاسي وإلغاء النظام البرلماني ليكون رجل السلطة الأوحد في تركيا.
على الرغم من كل هذه المحاولات والعمل الذي قام به أردوغان وعصابته الإخوانية إلا أن المتغيرات على الأرض تؤكد أن مخططاته إلى الاندثار، ولعل ما أعلنته مؤسسة “أوراسيا” التركية للأبحاث والدراسات الخميس من خلال استطلاعاتها العشرة من “عدم وجود فرصة له من أجل الفوز بالانتخابات القادمة” مثال على ذلك.
أردوغان خلال السنوات العشر الماضية أغرق جميع المراكب التي كان يمكن أن تساعده على عدم الغرق، وكذلك أحرق جميع أوراقه، ولم يعد بإمكانه مطلقاً إنتاج صورة جديدة تقنع الناخبين به.