هاييتي.. ما حدث انقلاب عسكري بتخطيط أمريكي
تقرير إخباري
في كل يوم تتكشف ملابسات اغتيال رئيس هاييتي جوفينيل مويس، يوم 7 تموز الجاري، وتتكشف معه الأيادي المتورطة في عملية الاغتيال. وآخر ما حرر في هذا المجال هو أن أحد الأمريكيين المعتقلين للاشتباه في مشاركتهما في عملية الاغتيال كانت له علاقة بوكالة “إنفاذ قانون” أمريكية.
أي أن المتهم الأول في عملية الاغتيال هي الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة شعارات حقوق الإنسان، وما يعزز هذا الاتهام هو اعتراف كولومبيين معتقلين بتهمة التورط في اغتيال رئيس هاييتي بأن شركة أمنية في منطقة ميامي بالولايات المتحدة جندتهم للقيام بالعملية، في إشارة إلى أن التخطيط للاغتيال جرى من جنوب فلوريدا.
وزاد على ذلك ما قالته صحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية أن 17 من كولومبيا وأمريكيين اثنين من أصول هاييتية من جنوب فلوريدا محتجزون في هايتي. وقال شخص أجرى حوارات مع الكولومبيين المعتقلين في هايتي أكدوا أنهم تم تجنيدهم من قبل شركة غير معروفة في دورال، في مقاطعة ميامي، تدعى “سي تي يو سكيوريتي” يديرها مهاجر فنزويلي يدعى أنطونيو إنمانويل إنترياجو فاليرا.
وقالت الصحيفة إنها زارت مقر الشركة، مشيرة إلى أن رجلاً يفترض أنه إنترياجو رفض مناقشة ما حدث في هاييتي، كما لم يرد على الاتصالات أو الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني التي تسأل بشأن التقارير حول التورط في هاييتي. وأكدت عدة مصادر للصحيفة أن المعتقلين قالوا إنه تم تجنيدهم من قبل شركة “سي تي يو”، وأشار العديد منهم إلى أنهم مكثوا في هاييتي لثلاثة أشهر على الأقل، وبعضهم لفترة أطول.
جوفينيل مويس هو رئيس هاييتي منذ شباط 2017، ومع حلول عام 2021 بدأت تلوح في الأفق خلافات سياسية بينه وبين المعارضة، وبينما كان يؤكد أن عهدته الرئاسية ستنتهي في 7 شباط 2022 المقبل، قالت المعارضة أن عهدة الرئيس الحالي انتهت أصلاً في 7 شباط الماضي. ومصدر هذا الخلاف يعود إلى انتخاب مويس للمرة الأولى في 2017 قبل أن يتم إلغاء نتيجة هذه الانتخابات بسبب التزوير، فأعيد انتخابه من جديد في 2018.
منذ العام 2010 – تاريخ الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد – عمدت الولايات المتحدة إلى تسجيل حضور عسكري في هاييتي لأهداف بدأت تتكشف ملامحها ونتائجها اليوم. في ذاك الوقت أثارت التعبئة الأمريكية الضخمة وإنزال آلاف الجنود في هايتي انتقادات في بعض البلدان، واضطرت الرئاسة الفرنسية إلى تهدئة التوترات مؤكدةً أنها “راضية تماماً” عن التعاون الفرنسي الأمريكي. تمركزت القوات الأمريكية في مواقع إستراتيجية في العاصمة بورت أو برنس لضمان أمن ما يسمى العمليات الإنسانية الرامية إلى تلبية احتياجات سكان هاييتي الأفقر في العالم، ونشرت الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف جندي تاركة لقوات الأمم المتحدة دوراً ثانوياً.
حينها أثار هبوط المروحيات الأمريكية قرب القصر الرئاسي، وتدفق الجنود المسلحين إلى القصر الرئاسي حساسية بعض الهاييتيين الذين رأوا في ذلك مسّاً برمز سلطتهم وهويتهم ووصف البعض الأمر بـ “الاحتلال”. وفي صحيفة “لو فيغارو” ذكرت رئيسة وزراء هاييتي السابقة ميشال بيار لوي بالاحتلال الأمريكي لبلادها مطلع القرن العشرين متوقعة تصاعد احتجاجات مجموعات اليسار في هاييتي.
وإضافة إلى الانتقادات المحلية، أثارت التعبئة الأمريكية الضخمة من أجل هاييتي بعض التوتر على الساحة الدولية، حيث اتهمت فنزويلا واشنطن بالسعي إلى “احتلال” هاييتي تحت غطاء المساعدات الإنسانية. من جهة أخرى انتقد نائب الرئيس البوليفي الفارو غارسيا إرسال 10 آلاف جندي أمريكي إلى هاييتي معرباً عن خشيته أن تتحول البلاد إلى “قاعدة عسكرية” للولايات المتحدة.
اليوم وبعد عملية الاغتيال دخلت الولايات المتحدة رسمياً إلى المنطقة، حيث تعهد وفد أمريكي زار هاييتي، وضم ممثلي وزارات العدل والخارجية والأمن الداخلي ومجلس الأمن القومي، “بدعم الحكومة الهاييتية.. والشعب الهاييتي في هذا الوقت العصيب”. جاء ذلك خلال اجتماعات الوفد مع رئيس الوزراء المعين جديداً، أرييل هنري، والقائم بأعمال رئيس الوزراء، كلود جوزيف الذي أعلن بنفسه اغتيال مويس في مقر إقامته.
وعلى الفور طلبت الوجوه الجديدة في هاييتي، ومن بينهم وزير الانتخابات ماتياس بيير، من الولايات المتحدة إرسال قوات لحماية بنيتها التحتية الرئيسية، ما يعني أن هاييتي تعرضت لانقلاب عسكري بتخطيط أمريكي أطاح برئيس ابتعد عن الولايات المتحدة، لتأتي حكومة جديدة من الواضح أنها سترتمي في أحضان أمريكا، وبالتالي ما يتبعه من اصطفافات جديدة قد تقلب معادلة المنطقة برمتها.