في حلب.. إشكالية كبيرة تزيد من انطباعات سوء النية
معن الغادري
تفرض الظروف المعيشية المتواترة صعوداً نحو مزيد من التعقيد التعاطي معها بذهنية منفتحة وبروح عالية من المسؤولية الوظيفية للتقليل ما أمكن من ضررها وانعكساتها السلبية على المواطن.
الحقيقة الواضحة في هذا السياق تتجلى في أن معظم من هم في موقع المسؤولية يتعمدون خلط الأوراق وتدوير الزوايا حيال مجمل القضايا التي لها صلة مباشرة بالهم اليومي والمعيشي على وجه التحديد، ويذهبون بعيداً في تبريراتهم غير المقنعة والتي لم تعد مجدية ونافعة في ضوء اتباع سياسة الترقيع والحلول الإسعافية المجتزئة تجاه مجمل القضايا الحياتية العالقة والأزمات المتراكمة والمتفاقمة .
في حلب تبدو الأمور أكثر تعقيداً لجهة إمكانية التواصل مع المسؤولين ومديري المؤسسات المعنية بخدمة المواطن ، وبالرغم من اتباعنا لأصول التخاطب الرسمي لم ننجح حتى اللحظة كعاملين في المجال الإعلامي من كسب ود أياً منهم بإستثناء البعض لإنجاز مهامنا كما يجب والحصول على إجابات واضحة وشفافة حول مجمل الأسئلة المطروحة بما يتعلق بآليات عمل هذه المؤسسات والمديريات وتعاطيها مع الأزمات اليومية .
الحقيقة المرة أن معظم هذه المؤسسات والمديريات لا تملك خطط عمل واضحة للتعامل مع الحالات المستعجلة والمشكلات الطارئة ، وغالباً ما تتسم سياساتها بالإرتجالية والفوضوية ، ما يؤدي في المحصلة إلى نتائج عكسية ، كما حدث مؤخراً ويحدث دائماً من مشكلات وأعطال في شبكات المياه والكهرباء والاتصالات ، يضاف إلى ذلك فوضى الأسواق واتساع دوائر المتاجرة بالمواد المدعومة من – خبز ومحروقات – وغيرها من المواد والسلع الأساسية التي تحتاجها الأسرة ، وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع المعنيين والمسؤولين وعلى عينك يا تاجر ، دون حساب أو رقيب .
مما تقدم نرى أنه لا بد من مراجعة متأنية لمفردات العمل المؤسساتي وعلى نحو مغاير يتفق مع حقيقة أن المتغيرات والمتبدلات في شتى ظروف الحياة تتطلب تغييراً في النهج والسلوك وجرأة في القرار ، وبما يسهم فعلياً في تصحيح آليات العمل وفي مختلف الميادين لمواجهة التحديات اليومية .
وهنا لا بد من الاعتراف بأن الجزء الأكبر من المشكلة يكمن في انعدام الحس بالمسؤولية لدى القائمين على مفاصل العمل في مختلف جوانبه وانفصالهم عن الواقع .
ولعل الأمثلة كثيرة ضمن هذا الإطار توثقها يوميات الأزمات المتتالية وتعثر العمل الخدمي والإنتاجي والتنموي في مختلف جبهات العمل ، والتي أكدت في كل مرة أن خصوصية وحصرية القرارات الفردية على حساب العمل التشاركي والجماعي تركت مساحات أوسع لتحقيق المنفعة الشخصية ، والصورة اليوم تبدو أكثر وضوحاً من قبل ، تعكسها المحاولات المتجددة من البعض في التهرب من المسؤ:لية وفي تأزيم وتعقيد وتغييب الحلول، وإطالة أمد الأزمات بقصد التهويل واستثمار الفرص السانحة وتوظيفها في سياقات منفردة ومتباعدة لا تخدم الصالح العام.
وفي الواقع ثمة إشكالية كبيرة وكبيرة جداً في العمل المؤسساتي بحلب تتمثل في تخمة الأعمال والمهام المسندة للبعض في عدد من مفاصل العمل الحساسة والتي تؤدي بالنتيجة إلى تورم الأنا أكثر مما هي متورمة أصلاً لدى الممسكين بالقرار والمتنعمين بمزايا المناصب، وهو أحد أشكال الفساد الإداري والتنفيذي، والذي يحجب فرص العمل والمفترض أن يكون موزعاً وبصورة عادلة على أصحاب الاختصاص وليس محصوراً بشخص بعينه حتى ولو كان رأس هرم المؤسسة، وذلك منعاً لأي لبس قد يزيد ويثير الشكوك والظنون، وبالتالي التخفيف ما أمكن من – انطباعات سوء النية – لدى الشريحة الأوسع من المواطنين، وتوثيق العلاقة بين طرفي المعادلة بكثير من المصداقية والشفافية المطلوبة خلال المرحلة الحالية والمستقبلية أكثر من أي وقت مضى.
ما نود قوله في هذا السياق أن المركزية المتسلطة في العمل المؤسساتي تسببت في إنتاج واقع فضفاض أكثر فساداً وعلى المستويات كافة – فالكل تابع – والكلمة الفصل دائماً لما يسمى (المعلم) وهي حقيقة مرة وكارثية لا يمكن نكرانها، ما زالت هي السائدة والرائجة والمحرك المباشر للعمل المؤسساتي اليومي في حلب ،وهو أمر لم يعد ممكناً في ضوء ما نواجهه من ظروف صعبة وقاسية – اقتصادية ومعيشية – وعليه لا بد من اعتماد قواعد عمل جديدة مكتملة الزوايا الغلبة فيها للعمل التشاركي والجماعي وبما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.