إعادة بناء سورية المتجدّدة.. مشروع قائم فعلياً!!
بسام هاشم
.. الأحرى أنه كان عرضاً بانورامياً مكثّفاً لمشروع بناء الدولة القائم فعلياً، وليس إطلاقه.. والأجدر القول: إننا في طور الخلاص التدريجي من تداعيات الحرب، واجتياز مسافة ليست بالقصيرة ولا السهلة في سياق بناء دولة المستقبل، والأمر لم يكن لينتظر الإعلان باحتفالية رسمية.. فـ “نحن لا ننتظر خطاب قسم لكي نبدأ به المرحلة”، كما قال الرئيس الأسد اليوم في قصر الشعب.
في مساحات واسعة منه، ازدحم خطاب سيادته بالإشارات، والتنبيهات، وإيقاظ الذاكرة لأكثر من مرة، بأن الوقائع الحاضرة على قسوتها، ما هي – في جانب كبير منها – إلا عوارض مؤقّتة وعابرة، ومتوقّعة أساساً، ولا ينبغي لها أن تخفي حركية وواعدية المشهد، كما لا ينبغي لها أن تفقدنا الشعور بحجم وأبعاد النصر الكبير الذي تحقق.. حققه السوريون أنفسهم، الذين تحاول اليوم البروباغاندا المهزومة نفسها، ومعها بضعة صفحات فيسبوك، أن تسرقه منهم من خلال زرع مشاعر التيئيس والإحباط وإيهان العزيمة؛ فـ “نحن نسير بشكل ثابت.. ولكن الوقت إلزامي وإجباري”، وكما كانت الحرب مكلفة، فإن الحلول لن تكون من دون ثمن، لكن “الثمن الذي ندفعه اليوم سنحصد مقابله لاحقاً”، “والشعب الذي خاض حرباً ضروساً واسترد معظم أراضيه وفرض دستوره في الشارع وصناديق الاقتراع، رغماً عن أنف أقوى الدول وأكبر الدول وأغنى الدول، بكل تأكيد، قادر على بناء اقتصاده، وعلى تطوير ذاته بأصعب الظروف وبالإرادة والتصميم نفسهما”.. بكل بساطة، يمكن أن تلخّص هذه الاقتباسات معاني الطمأنة والأمل، وحس الواقعية البنّاءة، التي حرص الخطاب على بثها كعناوين للسنوات المقبلة. لقد قدّم الرئيس الأسد قراءة هادئة ومتأنية في واقع محتدم وصعب، وبرهن أنه لا يزال طبيب العيون الذي يشخّص بدقة، ويدرك كيف يتعامل بكل حرص وروية مع مضاعفات جراحية لا تزال قيد التفاعل، لكنها تجاوزت الحراجة والخطر.. لا بل نحن ندخل فعلياً مرحلة التعافي التدريجي، منذ زمن.
منذ البداية، بادر الرئيس الأسد لقطع الطريق على التكهنات التي حاولت خلال الأيام الماضية الترويج لمضامين خطابية مغرقة في “الحسم” و”القطيعة” – ولربما لأهداف قد تكون مشبوهة – مذكّراً بضرورة العودة إلى جذور المشكلة لكي نستخلص الدروس، ونبني الطريق إلى المستقبل.. فضّل الرئيس الأسد السباحة العميقة والهادئة في سنوات الحرب: بداياتها، أسبابها، أهدافها، وسائلها، أدواتها، مسارتها، نتائجها، لكي نتعرّف على كيفية الحفاظ على الانتصار الذي أنجز، ونشق الطريق مجدداً إلى الانتصار الذي ينتظرنا؛ التزم سيادته مقاربة واقعية، حتى ولو كانت جارحة ومؤلمة في بعض تفاصيلها، ولكنه كان الصريح والإيجابي الذي يرفض الروح الانهزامية والسلبية، فالمسألة لا تتصل بتسويق أوهام، أو بممارسة اللعبة السياسية على الطريقة الغربية.. إنها مسؤولية وطنية خالصة، تعي أهمية وعظمة وثمن النصر الذي صنعه الشعب، بصبره وإرادته ووعيه، وتدرك أهمية الحفاظ عليه وتثميره إلى النهاية؛ فالمسألة مسألة وقت وإرادة، والشعب السوري الحي “لا يتعب في سبيل حريته مهما طال الطريق وصعب، ولا تهون عزيمته أو تفتر همته في الدفاع عن حقوقه”؛ ولأنه “شعب عريق فهو يحيا في الواقع الحي، لا في الواقع الافتراضي، ولا تبرمجه حواسيب الدجل ولا تمحي ذاكرته فيروسات الخداع، ولا يسقط في فخ الاستسلام المجاني على المنصات الافتراضية”. وهم إذا كانوا يراهنون على “تحويل المواطن السوري إلى مرتزق يبيع وطنه وقيمه مقابل حفنة مشروطة من الدولارات، أو لقمة عيش مغمسة بالذل يتصدقون بها عليه”، فإن إيماننا بأنفسنا، بتاريخنا، بثقافتنا، وبالحقائق، وبما أثبته الواقع، هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة الحرب الاقتصادية لنحوّل نتائجها لمصلحتنا، ووعي شعبنا، وقدرته على التمييز بين الوهم والحقيقة “هو حصننا عندما ننظر لمستقبلنا، وهو المعيار الذي نقيس به مدى قوتنا وقدرتنا على تحدي ومواجهة وهزيمة كل الصعاب”، وتحويل الحصار إلى “أكبر فرصة للتطوير بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية”.
يمارس الرئيس الأسد مسؤولياته الرئاسية كرجل وطني من طراز رفيع يدرك أن المصارحة والأمانة في التحليل والاستنتاج هي أفضل طريق لإعداد العدة للمستقبل، ولكن أجدر من يقوم بذلك هو قائد أحبه واختاره شعبه بالإجماع متحدّياً الضغوط والإغراءات في موقف قلما شهدته أية انتخابات أخرى في العالم.. “لنكافح الإحباط بالأمل، والتقاعس بالعمل، ولنتأهب للمزيد من البناء والتحرير”.. تلك هي الترجمة العملية لشعار الحملة الانتخابية، وذلك هو “أمر اليوم” الذي ينبغي أن يقودنا لإعادة بناء سورية المتجدّدة.